الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا بشر بن السري ، عن سفيان ) أي الثوري ذكره ميرك ( عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم ) أي أحيانا ( يأتيني ) أي في أول النهار ( فيقول ) أي لي كما في نسخة ( أعندك غداء ) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة والمد ، هو الطعام الذي يؤكل أول النهار ( فأقول لا ) أي أحيانا ( قالت ) أي عائشة ( فيقول ) أي حينئذ ( إني صائم ) وفي رواية صحيحة بزيادة إذن أي ناو للصوم ، فهو خبر لفظا ، وإنشاء معنى ، أو إخبار بأنه قد نوى الصوم ليتحقق النية في أكثر وقت الصوم ، ففيه دليل على إظهار العبادة لحاجة ومصلحة ، كتعليم مسألة وبيان حالة ، وعلى جواز نية النفل قبل نصف النهار الشرعي ، بشرط عدم استعماله في هذا اليوم قبل النية ، بما ينافي الصوم ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي والأكثرون ، وقال مالك : يجب التبييت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا صيام لمن لم يجمع الصيام في الليل " ، قال : ولا دليل في : " إني صائم " ، إذ الاحتمال إني صائم إذا كما كنت ، أو أنه عزم على الفطر لعذر ثم تمم الصوم ، ولا خفاء في بعد هذا التأويل ، والخبر مقيد عندنا بالقضاء والكفارات ، وعند الشافعي بالفرائض ( قالت : فأتانا ) وفي نسخة صحيحة فأتاني ( يوما فقلت : يا رسول الله إنه ) أي الشأن ( أهديت ) بصيغة المجهول أي أرسلت ( لنا هدية قال : وما هي قلت : حيس ) بحاء مهملة مفتوحة [ ص: 280 ] وتحتية ساكنة بعدها سين مهملة ، هو التمر مع السمن والأقط ، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت ، ثم يدلك حتى يختلط ، وأصل الحيس الخلط ( قال أما ) بالتخفيف للتنبيه ( إني أصبحت صائما ) أي مريدا للصوم وقاصدا له من غير صدور نية جازمة ، ( قالت : ثم أكل ) وإنما حملناه على المعنى المجازي ; لأنه يلزم النفل بالشروع في الصوم والصلاة وغيرهما ، فيجب إتمامه ويلزمه القضاء إن أفطر ; لقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم ويمكن أنه كان صائما ثم أكل لضرورة ، ويدل عليه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالقضاء لما أكلت في صوم نفل ، والحديث المرسل حجة عند الجمهور ، وحمل الشافعية الأمر على الاستحباب خلاف الأصل فإنه للوجوب ، مع أن الحديث المتصل ليس بصريح في المقصود ، وأما حديث : " المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر " . فمعناه أنه أمير نفسه قبل الشروع ، ولو كان عادته ذلك الفعل تطوعا ، وقد أجمع العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم ، فكذا غيرهما من العبادات ، وإلا فيلزم الملعبة في الصلاة مثلا بأن يشرعها ويقطعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية