( حدثنا ) بالتصغير ( حدثنا عبد بن حميد مصعب بن المقدام ) بكسر الميم الأولى ، ومصعب اسم مفعول من الإصعاب ، وهو الأصل الصواب ، وفي نسخة ضعيفة بدله : " منصور " قال ميرك : وهو خطأ .
( حدثنا ) بفتح الفاء ( عن المبارك بن فضالة ; فإنه المراد عند الإطلاق في اصطلاح المحدثين ، فالحديث مرسل ( قال أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم ) أي جاءته امرأة كبيرة ولا تقل عجوزة إذ هي لغة رديئة على ما في القاموس قيل إنها الحسن ) أي : البصري الزبير بن العوام ، وعمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره شيخنا صفية بنت عبد المطلب أم ابن حجر تبعا لشارح ، وقال الحنفي : كذا سمعنا من بعض مشايخنا والله أعلم بصحته لما سيأتي ( فقالت : يا رسول الله ادع الله ) أي : لي كما في نسخة ( أن يدخلني الجنة فقال : يا أم فلان ) كان الراوي نسي الاسم الذي جرى على لسانه - صلى الله عليه وسلم - فأقام لفظ فلان مقامه ( إن الجنة لا تدخلها عجوز قال ) أي : الحسن ناقلا ( فولت ) بتشديد اللام أي : أدبرت ، وذهبت ( تبكي ) حال من فاعل ولت أي : ذهبت حال كونها باكية ( فقال : أخبروها أنها لا تدخلها ) سد مسد ثاني وثالث مفاعيل [ ص: 39 ] أخبروها ( وهي عجوز ) حال أي : أنها لا تدخل الجنة حال كونها عجوزا بل تدخلها شابة بجعله تعالى إياها كذلك .
واعلم أن ضمير " أخبروها " راجع إليها قطعا ، وأما ضمير " أنها " يحتمل أن يرجع إليها وغيرها ، يعلم بالمقايسة لكن يلزم منه أن تكون مبشرة بالجنة ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى جنس العجوز الدال عليه قوله : " إن الجنة لا تدخلها عجوز " وهو الأظهر ، وإن قال ببعده ابن حجر فتدبر ، على أن ضمير " إنها " قابلة بأن تجعل للقصة وضمير الفاعل في " لا تدخلها " لجنس العجوز ولا يأباه قوله وهي عجوز لأن المعنى لا تدخلها باقية على وصف العجوزية والله أعلم .
ولبعض الشراح هنا كلام يمجه السمع ; فامتنع من ذكره الطبع ( إن الله تعالى ) استئناف متضمن للعلة ( يقول ) أي : في كتابه ( إنا أنشأناهن إنشاء ) الضمير لما دل عليه سياق السابق في الآية ، وهو فرش مرفوعة ، والمراد النساء أي : أعدنا إنشاءهن إنشاء خاصا ، وخلقناهن خلقا غير خلقهن ( فجعلناهن أبكارا ) أي : عذارى كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا ، وفي نسخة زيادة : " عربا أترابا " ، والعرب بضمتين ويسكن الثاني : جمع عروب كرسل ورسول أي : عواشق ، ومحببات إلى أزواجهن ، وقيل العروب الملقة ، والملق : الزيادة في التودد ، وقيل الغنجة ، والغنج في الجارية تكسر وتذلل ، وقيل الحسنة الكلام ، وأما الأتراب فمستويات السن بنات ثلاثين سنة وأزواجهن كذلك كذا في المدارك وقيل بنات ثلاثين سنة إذ هذا أكمل أسنان . وفي الحديث . نساء الدنيا هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز خلقهن الله بعد الكبر ; فجعلهن عذارى متعشقات على ميلاد واحد أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة ، ومن يكون لها أزواج ; فتختار أحسنهم خلقا ، الحديث في وجامع الطبراني الترمذي مطولا ، وقد أخرج في كتاب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنده إلى أبو الشيخ ابن حبان مجاهد قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة وعندها عجوز فقال من هذه فقالت هي عجوز من أخوالي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن العجز بضمتين جمع عجوز لا يدخلن الجنة ; فشق ذلك على المرأة ; فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : له عائشة لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة فقال : إن الله - عز وجل - ينشئهن خلقا غير خلقهن وأخرج في كتاب الوفاء بسنده عن ابن الجوزي أنس أن عجوزا دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسألته عن شيء فقال لها ومازحها أنه لا تدخل الجنة عجوز ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة فبكت بكاء شديدا حتى رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة : يا رسول الله إن هذه المرأة تبكي لما قلت لها أنه لا تدخل الجنة عجوز ، فقال أجل لا تدخل الجنة عجوز ، ولكن قال الله تعالى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا وهن العجائز الرمص ، وهو جمع الرمصاء ، والرمص وسخ العين يجتمع في الموق هذا ، وجعل بعض المفسرين ضمير أنشأناهن للحور العين على ما يفهم من السياق أيضا ، فالمعنى خلقناهن كاملات من غير توسط ولادة ، وهو الذي ذكره البيضاوي وتبعه الحنفي ، في شرح هذا الحديث لكن على هذا [ ص: 40 ] وجه المطابقة بين الحديث والآية غير ظاهر فالأظهر أن يجعل الضمير إلى نساء الجنة بأجمعهن وحاصله أن وابن حجر كلهن أنشأهن الله خلقا آخر يناسب البقاء ، والدوام ، وذلك يستلزم كمال الخلق ، وتوفر القوى البدنية ، وانتفاء صفات النقص ، والزوال عنها ، وإذا كان هذا نعت النساء التي خلقهن للرجال ; فما ظنك بهم ، وقد روى نساء الجنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " معاذ بن جبل " ، أخرجه المصنف في جامعه ، ولعل اقتصاره - صلى الله عليه وسلم - على العجائز لسبب ورود الحديث أو لأن غيرهن يعلم بالمقايسة بل بالطريق الأولى والله سبحانه أعلم . يدخل أهل الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة
ومن أحاديث الباب ما رواه وغيره من حديث ابن أبي حاتم عبد الله بن سهم الفهري للمرأة التي سألت عن زوجها أهو الذي بعينه بياض ، وقد ذكره القاضي في الشفاء من غير إسناد .