الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا علي بن حجر حدثنا شريك عن سماك ) بكسر فتخفيف ( بن حرب عن جابر بن سمرة ) بفتح وضم ( قال جالست النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من مائة مرة وكان ) بالواو وفي نسخة فكان ( أصحابه ) أي : في جميع المجالس أو في بعضها ( يتناشدون الشعر ) أي : يطلب بعضهم بعضا أن ينشد الشعر المحمود ، والإنشاد هو أن يقرأ شعر الغير ، وفي بعض النسخ يناشدون من باب المفاعلة ( ويتذاكرون ) أي : في مجالسهم دائما أو أحيانا ( أشياء ) أي : منظومة أو منثورة ( من أمر الجاهلية ) وفي بعض النسخ : من أمور الجاهلية ، وفي بعضها : من أمر جاهليتهم ( وهو ساكت ) أي : غالبا لما غلب عليه من التحير في الله ، والتفكر في أمر دنياه ، وعقباه ، أو المعنى ساكت عنهم بأنه لم يمنعهم من إنشاد الشعر ، وذكر أمر الجاهلية لحسن خلقه في عشرتهم وزيادة ألفتهم ، ومحبتهم بدفع الحرج عن مباحاتهم بناء على حسن نياتهم ، وأخذ الفوائد ، والحكم من حكاياتهم كما هو شأن العارفين في مشاهداتهم .


ففي كل شيء له شاهد . دليل على أنه واحد

( وربما تبسم ) بصيغة الماضي ، وفي بعض النسخ يتبسم بصيغة المضارع ( معهم ) أي : مع أصحابه ، والمعنى أنه كان أحيانا يتبسم على رواياتهم ، وبيان حالاتهم ، وتحسين مقالاتهم منها أنه قال واحد من أصحابه :

ممن صار من جملة أحبابه .

    ما نفع صنم أحدا مثل ما نفعني صنمي


فإني جعلته من الحيس .

    لما كان لي من الكيس
.

فنفعني في زمن القحط .

    ومن كان معي من الرهط

.

فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقال الآخر

رأيت ثعلبا صعد فوق صنمي .

    وبال على رأسه وعينيه حتى عمي
.

فقلت أرب يبول الثعلبان برأسه .

    فتركت طريقة الجاهلية
، ودخلت في شريعة الإسلام هذا

.

[ ص: 53 ] وقال ابن حجر فيه حل استماع الشعر ، وإنشاده مما لا فحش ، ولا خنأ فيه وإن كان مشتملا على ذكر شيء من أيام الجاهلية ، ووقائعهم في حروبهم ، ومكارمهم ويحتمل أن أشعارهم التي كانوا يتناشدونها فيها الحث على الطاعة ، وذكرهم أمور الجاهلية للندم على فعلها ، فيكون من القسم الأول الذي هو سنة لا مباح فقط لأن قاعدة أن التأسيس خير من التأكيد تؤيد أن المراد بها الإباحة ، وثمة السنة كما قررته خلافا لشارح .

قلت الصواب ما شرح الله لصدر ذلك الشارح حيث حرر فعل أصحابه ، وقرر سكوته - صلى الله عليه وسلم - على مراد الشارع الفاتح لا على المباح المجرد الذي يسمى لغوا بلا فائدة دينية ، ودنيوية وعائدة أخروية ، وقد قال تعالى والذين هم عن اللغو معرضون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقال - صلى الله عليه وسلم - .

" إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " .

وما الموجب لحمل ما ذكر على خلاف ما يقتضي حسن الظن بأصحابه الكرام رضي الله عنهم ، بعد تشرفهم بالإسلام لا سيما وهم في صحبة سيد الأنام مع تعدد مثل هذه القضية في الأيام .

وأما ما ذكره من القاعدة فهي معتبرة في القضية الواحدة ، وأما القضية الواقعة في الحديثين المختلفين زمانا ومكانا وراويا ، فما بعده من الاعتناء بها ، وجعل الكلام مؤسسا بسببها على أن التأسيس إذا بنينا على الأساس النفيس يوجد فيه من جهة أن الحديث الأول في شعر للشاعر ، والثاني في إنشاد شعر الغير ، وأن الأول مختص بالنظم ، والثاني أعم منه ومن النثر مع أن الفعل إذا تعدد ، وحصلت فيه المواظبة والمداومة يكون مقتضيا لعدة من أنواع السنة كما في الحديث الثاني ، وأما ما عداه من وقوع العمل مرة أو نادرا ، فهو أحق بإطلاق الإباحة كما في الحديث الأول ، وبهذا يتبين لك انعكاس القضية ; فتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية