الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ) بالتصغير ( عن ربعي بن حراش ) بكسر الحاء المهملة ، " وربعي " بكسر الراء وسكون الموحدة من التابعين ( عن حذيفة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى ) بالقصر وقد يمد أي : دخل بقصد النوم ومال ( إلى فراشه ) بكسر الفاء أي : [ ص: 75 ] مضجعه ( قال : اللهم باسمك أموت وأحيا ) أي : باسمك اللهم أنام وأنتبه للقيام ، أو بذكر اسمك أحيا ما حييت وعليه أموت ، وقال القرطبي : باسمك أموت ، يدل على أن الاسم هو المسمى أي : أنت تحييني وأنت تميتني وهو كقوله تعالى : سبح اسم ربك الأعلى أي : سبح ربك ، وهكذا قال جل الشارحين قال : واستفدت من بعض المشايخ معنى آخر ، وهو أنه تعالى سمى نفسه بالأسماء الحسنى ، ومعانيها ثابتة له فكل ما ظهر في الوجود ، فهو صادر عن تلك المقتضيات ، فكأنه قال : باسمك المحيي أحيا ، وباسمك المميت أموت انتهى ملخصا .

والمعنى الذي صدر به أليق ، ولا يدل ذلك على أن الاسم غير المسمى ولا عينه ، ولا يحتمل أن يكون لفظ الاسم زائدا كما قال الشاعر :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

.

كذا أفاده العسقلاني ، وأقول المعنى الذي ألحق به هو الحق ، وبالقبول أحق لكن الأظهر في هذا المقام أن القصد ، والمرام هو أن يكون مباشرا لذكر اسمه حال نومه ، ويقظته ، ووقت حياته ومماته ( وإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا ) أي : أيقظنا ( بعدما أماتنا ) أي : أنامنا ( وإليه النشور ) أي : التفرق في أمر المعاش كالافتراق حال المعاد ، وقيل النشر هو الحياة بعد الموت ، ومعنى كون النشور إليه أنه من عنده تعالى ، لا مدخل فيه لغيره سبحانه ، قال بعضهم : النفس التي تفارق الإنسان عند النوم وهي التي للتمييز ، والتي تفارق عند الموت هي التي للحياة ، وهي التي تزول معه النفس كما حقق في قوله سبحانه وتعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية وسمي النوم موتا ; لأنه يزول معه العقل ، والحركة تمثيلا وتشبيها ، وقيل الموت في كلام العرب يطلق على السكون يقال ماتت الريح إذا سكنت ، فيحتمل أن يكون أطلق الموت على النائم بمعنى إرادة سكون حركته كقوله تعالى : هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه وقد يستعمل في زوال القوة العاقلة ، وهي الجهالة كقوله تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه وقوله تعالى : لا تسمع الموتى ومنه حديث : " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه ، مثل الحي والميت " رواه الشيخان وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية وغير ذلك .

وقال الطيبي : ولا ارتياب أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو بتحري رضا الله تعالى ، وتوخي طاعته والاجتناب عن سخطه وعقوبته فمن نام زال عنه هذا الانتفاع ولم يأخذ نصيب حياته فكان كالميت ، فكان الحمد لله شكرا لنيل هذه النعمة وزوال تلك المضرة وهذا التأويل ينتظم مع قوله : وإليه النشور أي : وإليه المرجع في نيل الثواب مما نكتسبه في حياتنا هذه ، وقال النووي : المراد بإماتتنا النوم ، وأما النشور فهو الإحياء للبعث يوم القيامة فنبه - صلى الله عليه وسلم - بإعادة اليقظة بعد النوم الذي هو شبيه بالموت على إثبات البعث بعد الموت ، وهذا والذكر في بدء نومه والدعاء بعد يقظته مشعر بأنه ينبغي أن يكون السالك عند نومه يشتغل بالذكر لأنه خاتمة أمره وعمله ، وعند تنبيهه يقوم بحمد الله تعالى وشكره على فضله ويتذكر باليقظة بعد النوم البعث بعد الموت ، وأن يعلم أن مرجع الخلق كله إلى مولاه بل لا موجود في نظر العارف سواه ، فلا تغفل عنه في [ ص: 76 ] حال من الأحوال ويترك غير ذكره وشكره من الأشغال .

التالي السابق


الخدمات العلمية