( باب ما جاء في ) كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السمر
السمر بفتح السين المهملة ، والميم الساكنة كذا في المقدمة ، وهو حديث الليل من المسامرة ، وهي المحادثة فيه ، ومنه قوله تعالى سامرا تهجرون أي : يسمرون بذكر القرآن ، والطعن فيه حال كونهم يعرضون عن الإيمان به ، وفي النهاية ، الرواية بفتح الميم ، ورواه بعضهم بسكون الميم ، وجعله المصدر ، وأصل السمر ضوء لون القمر سمي به ; لأنهم كانوا [ ص: 58 ] يتحدثون فيه ( حدثنا الحسن بن صباح ) بتشديد الموحدة ( البزار ) بتشديد الزاي ( حدثنا أبو النضر ) بسكون المعجمة ( حدثنا أبو عقيل ) بفتح فكسر ( الثقفي ) بفتح المثلثة ، والقاف منسوب إلى قبيلة ثقيف ( عن عبد الله بن عقيل عن مجالد ) بالجيم بعد ضم الميم ( عن ) بفتح فسكون ( عن الشعبي مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ) كلمة " ذات " مقحمة للتأكيد ذكره الشراح ، ولا يظهر وجه التأكيد ، فالأولى أن يقال إنها صفة موصوف مقدر أي : في ساعات ذات ليلة كما حقق في قوله تعالى إنه عليم بذات الصدور أي : بضمائرها ، وخواطرها ( نساءه ) أي : بعض نسائه وأزواجه الطاهرات أو كلهن ، ويمكن أن يكون منهن بعض بناته أو أقاربه من النساء ( حديثا ) أي كلاما عجيبا أو تحديثا غريبا ( فقالت امرأة منهن : كأن الحديث ) بتشديد النون أي : كأن هذا الحديث ( حديث خرافة ) بضم الخاء المعجمة أي : مستملح من باب الظرافة وفي غاية من اللطافة ففي المغرب : الخرافات : الأحاديث المستملحة وبها سمي خرافة رجل استهوته الجن كما تزعم العرب ، فلما رجع أخبر بما رأى منها فكذبوه ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرافة حق يعني ما حدث به عن الجن انتهى .
فقوله كما تزعم العرب ليس في محله وفي القاموس خرافة كثمامة رجل من عذرة استهوته الجن ، وكان يحدث بما رأى فكذبوه ، وقالوا : حديث خرافة أي : هي حديث مستملح كذب قال ابن حجر : لم ترد المرأة ما يراد من هذا اللفظ ، وهو الكناية عن ذلك الحديث بأنه كذب مستملح لأنها تعلم أنه لا يجري على لسانه إلا الحق ، وإنما أرادت أنه حديث مستملح لا غير ، وذلك لأن حديث خرافة يشتمل على وصفين الكذب والاستملاح ، فيصح التشبيه به في أحدهما ، أقول : الأظهر أن يقال إن حديث خرافة يطلق على كل ما يكذبونه من الأحاديث ، وعلى كل ما يستملح ، ويتعجب منه على ما نقله القاموس ، فيحمل كلامها على التجريد ، ويتم به التسديد مع أنه قد يبالغ في التشبيه فيقال هذا كلام صدق يشبه الكذب كما قال : الموت يقين يشبه الظن عند عموم الخلق ( فقال : أتدرون ) خاطبهن خطاب الذكور تعظيما لشأنهن كما حقق في قوله - عز وجل - الغزالي إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويؤيده ما في النسخ أتدرين بخطاب جماعة النساء ، ويحتمل أنه كان بعض المحارم من الرجال أو من الأجانب معهن ولكنهن وراء النقاب أو كان قبل نزول الحجاب والله أعلم بالصواب ، وتبعيد كل من المعنيين المتعارضين في غاية من البعد في حق الشارحين المتعارضين ، والمعنى أتعلمون ( ما خرافة ) ولما كان من المعلوم أنهم ما يدرون حقيقة خرافة ، وحقيقة كلامه بادر إلى بيانه قبل جوابهم فقال : [ ص: 59 ] ( إن خرافة كان رجلا من عذرة ) بضم عين مهملة ، وسكون ذال معجمة قبيلة مشهورة من اليمن ( أسرته ) أي : اختطفته ( الجن في الجاهلية ) أي : في أيامها ، وهي قبل بعثته - صلى الله عليه وسلم - وقد روى المفضل الضبي في الأمثال عن عائشة مرفوعا رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا ( فمكث ) بضم الكاف وفتحها أي : لبث ( فيهم دهرا ) أي : زمانا طويلا ( ثم ردوه إلى الإنس وكان ) بالواو وفي نسخة فكان ( يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس : حديث خرافة ) أي : فيما سمعوه من الأحاديث العجيبة ، والحكايات الغريبة هذا حديث خرافة ، وهذا كما ترى ليس فيه ذكر الأكاذيب ، وإن كانت هي قد تراد مبالغة في الأعاجيب ثم في الحديث جواز لا سيما مع العيال ، والنساء فإنه من باب حسن المعاشرة معهن ، وتفريج الهم عن قلوبهم ، فالنهي الوارد محمول على كلام الدنيا ، وما لا يعني في العقبى ، والحكمة أن يكون خاتمة فعله وقوله بالحسنى ، ومكفرة لما وقع له فيما مضى ، ويؤيده أن التحدث بعد صلاة العشاء أورد حديث البخاري أم زرع في باب فهذا الحديث منه وحديث حسن المعاشرة مع الأهل أم زرع منها فدل الحديثان على جواز الكلام ، وسماعه في ذلك الوقت .