( حدثنا ) بضم حاء فسكون جيم ( حدثنا علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر حميد ) بالتصغير أي : الملقب بالطويل ( عن أنه سئل عن أنس بن مالك ) وفي نسخة رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - فقال كان يصوم ) أي : أحيانا ( من الشهر ) أي : بعض أيامه متصلة ( حتى نرى ) بنون الجمع بالتحتية على بناء المجهول ، ويجوز بالمثناة الفوقانية على الخطاب كذا ذكره صوم النبي ميرك ، وتبعه الحنفي ، وقال ابن حجر : أي : نظن بالنون ، والياء متكلما ، وغائبا انتهى . فقوله غائبا يحتمل المعلوم والمجهول بل إطلاقه يؤيد الأول فتأمل ، وإما حل المعنى فعلى وفق ما سبق في نقول كما لا يخفى ثم قوله ( أن لا يريد ) بالنصب ، ووجهه ظاهر وروي بالرفع على أن ( أن ) مخففة من الثقيلة ، وفي نسخة أنه لا يريد على أن الضمير راجع إليه - صلى الله عليه وسلم - فالرفع متعين كما أن النصب لازم في قوله ( أن يفطر منه ) أي : من الشهر شيئا كما تدل عليه قرينته الآتية ( ويفطر ) أي : منه كما في بعض النسخ المصححة ، والمعنى وكان يفطر أحيانا من الشهر إفطارا متتابعا ( حتى نرى ) بالوجوه الثلاثة ( أنه ) كذا في الأصل وفي كثير من النسخ أن ( لا يريد ) ويعلم حاله مما سبق ( أن يصوم منه ) أي : من الشهر ( شيئا ) أي : من الصيام أو الأيام ( وكنت ) بالخطاب العام ( لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا أن رأيته ) أي : إلا وقت أن رأيته ( مصليا ولا نائما إلا رأيته ) بدون أن خلاف ما قبله ، فهو على حذف مناف أي : إلا زمان رؤيتك إياه ، فالتقدير هنا كما في ما قبله ، وفي نسخة إلا أن رأيته ، والتقدير وقت مشيئتك أبدا يكون وقت الصلاة والنوم بالاعتبارين السابقين ( نائما ) أي : أن صلاته ، ونومه كان يختلف بالليل ولا يرتب وقتا معينا [ ص: 118 ] بل بحسب ما تيسر له القيام ، ولا يعارضه قول عائشة كان إذا سمع الصارخ قام ، فإن عائشة تخبر عما لها عليه إطلاع ، وذلك أن صلاة الليل كانت تقع منه غالبا في البيت فخبر أنس محمول على ما وراء ذلك كذا حققه العسقلاني في كتاب التهجد من شرح ، وقال في كتاب الصيام يعني أن حاله في التطوع بقيام الليل يختلف ، فكان تارة يقوم من أوقات الليل ، وتارة في وسطه ، وتارة من آخره فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائما ، فوافاه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام على وفق ما أراد أن يراه هذا معنى الخبر وليس المراد أنه كان يستوعب الليل قائما ، ولا يشكل على هذا قول البخاري عائشة ، وقولها في الرواية الأخرى كان إذا صلى صلاة داوم عليها ; لأن المراد ما اتخذه واجبا لا مطلق النافلة ، وهذا وجه الجمع بين الحديثين ، وإلا فظاهرهما التعارض انتهى كلامه . كان عمله ديمة
فقال ميرك : هو لا يشفي العليل كما ترى قلت : الأظهر أن يقال إعمال العمل المسمى بالتهجد مثلا تارة يصلي في أول الوقت وتارة في آخره لا ينافي مداومة العمل كما أن صلاة الفرض تارة يصلي في أول الوقت ، وتارة في آخره لا ينافي وهذا أمر ظاهر ، ودليل باهر يشفى به العليل ويصح فيه التعليل وهو حسبي ونعم الوكيل .
وقال المظهر : لا في لا تشاء بمعنى ليس أو بمعنى لم أي لست تشاء أو لم تكن تشاء أي لا من زمان تشاء ، قال الطيبي : فلعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل ، وتقديره على الإثبات أن يقال أن تشاء رؤيته متهجدا ، وإن تشاء رؤيته نائما رأيته نائما يعني كان أمره قصدا لا إسراف ، ولا تقصير ينام أوان ينبغي أن ينام فيه كأول الليل ، ويصلي أوان ينبغي أن يصلي فيه كآخر الليل ، وعلى هذا حكاية الصوم ويشهد له حديث ثلاثة رهط على ما روى أنس ذكره قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أصوم النهار أبدا ولا أفطر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما أنا فأصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، أو كما قال ثم قال : فمن رغب عن سنتي فليس مني ميرك وزاد أنس على السؤال زيادة إفادة حال الصلاة لاستيفاء الأحوال وللدلالة على كمال استحضاره في كل منوال .