( حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري حدثنا قال : أنبأنا عبد الله بن ميمون ( عن أبيه قال : سألت جعفر بن محمد ) أي : الصادق ابن الباقر عائشة ) قال ميرك : في سند هذا الحديث انقطاع لأن لم يلق الباقر عائشة ، ولا حفصة فإن ولادته في سنة سبع وخمسين من الهجرة ، وماتت عائشة في تلك السنة ، وماتت حفصة في سنة خمس وأربعين انتهى .
وقد حقق ابن الهمام أن الانقطاع من طريق الثبات لا يضر فالحديث حجة ، والمعنى أنه سأل سائل عائشة ( ما كان - في بيتك فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) ولعل وجه التخصيص أن بيتها كان أعز البيوت عنده - صلى الله عليه وسلم - ثم بعدها حفصة لمكان أبويهما مع قطع النظر عن بقية كمالاتهما ( ) وفي نسخة أدم بالرفع بدون كلمة من ثم قيل الجملة صفة لمحذوف لا لأدم ; لأنه جمع ; ولأنه لو كان صفة لأدم لاقتضى أن يكون الفراش مصنوعا من أدم حشو ذلك الأدم ليف ، وظاهر أنه ليس للأدم قبل الصنع حشو ، وإنما يكون بعدما صنع فراشا انتهى . قالت : من أدم حشوه ليف
وهو كلام حسن المبنى ، ومستحسن المعنى ، وأغرب ابن حجر ، وقال : فيه تكلف ظاهر وقوله ; لأنه جمع مر الجواب عنه ، وقوله لاقتضى إلى آخره في هذه الملازمة التي زعمها نظر بل لا يصح ; لأن الفراش اسم لما يفرش ، وهو يكون تارة أدما ، وتارة غيره ، وإذا كان أدما فتارة يكون محشوا ، وتارة يكون بلا حشو فبينت بقولها حشوه ليف أنه أدم محشو لا خال عن الحشو ، فاندفع قوله ، وظاهر إلى آخره وحينئذ فلا يلزم على كونه صفة لأدم محذور أصلا انتهى .
ولا يخفى أن الملازمة عقلية قطعية بل بديهية ، فإنكاره حشو مع ما فيه من المصادرة الصادرة عن المكابرة ، والجواب الذي ذكره سابقا إنما يصح لو كان الأدم اسم جمع ، وحيث أنه جمع فلا مطابقة بين الضمير [ ص: 159 ] والمرجع لا لفظا ، ولا معنى ( وسئلت حفصة ) يعني أيضا ( ما كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتك قالت : مسحا ) أي : كان مسحا ، وهو بكسر ميم فسكون مهملة أي : فراشا خشنا من صوف يعبر عنه بالبلاس ، وفي بعض النسخ مسح بالرفع على تقدير مبتدأ هو هو أو فراشه مسح ( ثنيته ) روي من الثني من باب ضرب يقال ثناه عطفه ورد بعضه على بعض ، وقوله ( ثنيتين ) بكسر أوله أي : طاقتين ، والمعنى نعطفه عطف ثنيين أي عطفا يحصل منه طاقان فالتاء للوحدة لا للتأنيث ويؤيده ما في نسخة ثنتين بدون تاء الوحدة ، والمعنى واحد ، والنصب على أنه قائم مقام المضاف الذي هو مفعول مطلق كذا حققه العصام .
وقال الحنفي : وروي من التثنية من باب التفعيل ، والظاهر هو الرواية الأولى لقوله ثنتين ، ولأن التثنية على ما في التاج جعل الشيء ثانيا ، وهو لا يلائم هذا المقام انتهى .
وكأنه أراد بجعل الشيء ثانيا أن يقع القطع بينهما ، وهو هنا ليس كذلك قال : وفي بعض النسخ ثنتين فحينئذ يكون صفة مفعول مطلق ، وعلى الأول مفعول مطلق ( فينام عليه فلما كان ذات ليلة ) بالرفع أي : تحقق ليلة فكلمة كان تامة ، وقد يروى بالنصب على الظرفية ، وحينئذ ضمير كان راجع إلى الوقت ، والزمان ، وذات مقحمة على التقديرين أو المراد بها ساعات ليلة ( قلت ) أي : في نفسي أو لبعض خدمي ( لو ثنيته ) أي : عطفت بعضه على بعض ، وهو بصيغة المتكلم الواحد من الثني على حد ضرب ( أربع ثنيات ) بكسر المثلثة ، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق أي : طاقات لا طفقات ، وإن اقتضاه كونه مفعولا مطلقا ، وفي رواية بأربع ثنيات ، ولعل للملابسة أي : أو ثنيته ثنيا ملابسا بأربع ثنيات من قبيل ملابسة العام للخاص بأن يتحقق في ضمنه ( كان ) أي : لكان فراشه حينئذ ( أوطأ له ) أي : ألين من وطئ يوطئ إذا لان من باب حسن يحسن ، ويقال وطأ الموضع يوطأ وطأة أي : صار وطئا أي : لينا وكأنه وطئ حتى لان ( فثنيناه ) أي : له كما في أكثر النسخ المعتمدة ، وقد روي هنا بالتخفيف على أن يكون من الثني ، وبالتشديد على أن يكون من التثنية ( بأربع ثنيات ) بالياء لا غير هنا ، وفيما سيأتي ( فلما أصبح قال : ما فرشتم لي الليلة ) أي : البارحة أي : أي فراش فرشتم لي ، وصيغة المذكر للتعظيم أو لتغليب بعض الخدم ، ولعله لما أنكر نعومته ولينته ظن أنه غير فراشه المعهود أو نزله منزلة غيره ( قالت : قلنا هو فراشك ) أي : المعهود بعينه ( إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا ) استئناف بيان متضمن لتعليل وبرهان ( هو ) أي : كونه مثنيا بأربع طيات ( أوطأ لك ) أي : أوفق لك ، وأرفق لبدنك ( قال : ردوه ) أي : فراشي ( لحاله الأولى ) أي : من الثنيين ( ; فإنه ) أي : باعتبار حالته الثانية [ ص: 160 ] ( منعتني ) وفي نسخة منعني ( وطأته ) بفتح فسكون فهمز أي : لينته ( صلاتي الليلة ) أي : التهجد وفي الحديث أن النوم على الفراش المحشو لا ينافي الزهد سواء كان من أدم أو غيره ; لأن عين الأدم ، والليف المذكورين في الحديث ليست شرطا بل ; لأنها المألوفة عندهم فلحق بها كل مألوف عندهم نعم الأولى لمن غلب عليه الكسل ، ومالت نفسه إلى الدعة ، والترفة أن لا يبالغ في حشو الفراش ، ولينه ; لأنه سبب ظاهر في كثرة النوم ، والغفلة والتثاقل عن الطاعة والعبادة ، هذا وقد ورد في صحيح مسلم قال العلماء : وإنما أضافه للشيطان ; لأنه يضاف إليه كل مذموم ، وما زاد على الحاجة ، فهو مشئوم ; لأنه إنما يتخذ للخيلاء والمباهات ، وقيل أضيف إليه ; لأنه إذا لم يحتج إليه كان عليه مبيته ، ومقيله ثم تعداد الفراش للزوج والزوجة لا ينافي أن السنة بياته معها في فراش واحد ; لأنهما قد يحتاجان إلى ذلك بمرض ، ونحوه . فراش للرجل ، وفراش للمرأة وفراش للضيف ، وفراش للشيطان