( حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن الزبير ) شيخ باهلي قديم بصري ( حدثنا ) بضم الموحدة ( عن ثابت البناني قال أنس بن مالك ) أي : حزنه وغمه ( ما وجد ) ما موصولة ومن بيانية أو تبعيضية ( قالت ) وفي نسخة فقالت ( لما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كرب الموت فاطمة واكرباه ) وهو بفتح الكاف وسكون الراء وهاء ساكنة في آخره غم يأخذ بالنفس إذا اشتد عليه ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ) يعني أن الكرب كان بسبب شدة الألم وصعوبة الوجع وبعد هذا اليوم لا يكون ذلك ؛ لأن الكرب كان بسبب العلائق الجسمانية وبعد اليوم تنقطع تلك العوائق الحسية للانتقال [ ص: 280 ] حينئذ إلى الحضرة القدسية مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ثم الظاهر أن لا كرب على أبيك بعد اليوم فاطمة - رضي الله عنها - لما رأت قالت : واكرباه مسندة إلى نفسها لما بينهما من المناسبة الظاهرة والملاءمة الباطنة فسلاها - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول وبين لها أن كرب أبيها سريع الزوال منتقل إلى حسن الحال فأنت أيضا لا تكربي فإن محن الدنيا فانية وإن العبرة بالمنح الباقية ، ويمكن أن يكون الجواب على أسلوب الحكيم . شدة كربه
وقد روى الحديث أيضا إلى هنا ، قال البخاري الخطابي : وزعم بعض من لا يعد من أهل العلم أن المراد بنفي الكرب أن كربه كان شفقة على أمته لما علم من وقوع الاختلاف والفتن بعده ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنه يلزم أن تنقطع شفقته على أمته بموته والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة ؛ لأنه مبعوث إلى من جاء بعده وأعمالهم معروضة عليه ، وإنما الكلام على ظاهره وأن المراد بالكرب ما يجده - صلى الله عليه وسلم - من شدة الموت ؛ لأنه كان مما يصيب جسده من الآلام كالبشر ليتضاعف له الأجر انتهى .
ولا يخفى أنه لا مانع من تعدد سبب الكرب ، ولا يلزم المحذور إلا عند من يقول بالمفهوم ، وهو خلاف ما عليه الجمهور ، ثم قال المصنف : ورواه أيضا . ابن ماجه
( أنه ) أي : الشأن ( قد حضر ) أي : قرب من أبيك أي : من أمره ( ما ) أي : أمر عظيم ( ليس ) أي : الله ( بتارك منه ) أي : من ذلك الأمر ( أحدا ) وقوله ( الوفاة ) بفتح الواو الممات ضد الحياة بيان لما ، وقوله ( يوم القيامة ) منصوب بنزع الخافض ، وهو كلمة إلى وجوز أنه يكون مفعولا فيه ويراد به يوم الوفاة ؛ لأن يوم موت كل أحد يوم قيامته كما ورد ( من مات فقد قامت قيامته ) .
والجملة تأكيد وتقرير لما في ذهن الزهراء أن ذلك الأمر عام لكل أحد ، وفي نسخة صحيحة الموافاة بدل الوفاة ، وهو بمعنى الإتيان والملاقاة ، وفي المغرب وغيره أن الموافاة مفاعلة من الوفاة ، قيل : وقد يفسر الموافاة هنا بالوفاة ، وقال ابن حجر : الأحسن يقال : من أبيك أي : من جسمه ما أي : شيء عظيم ليس الله بتارك منه أحدا وذلك الأمر العظيم هو الموافاة يوم القيامة أي : الحضور ذلك اليوم المستلزم للموت .
وقال ميرك : ما موصولة فاعل حضر ، وفي ليس ضمير راجع إليه أيضا ، والوفاة بدل من فاعل حضر وبيان له ، ويوم القيامة منصوب بنزع الخافض أي : إلى يوم القيامة ، وقيل فاعل بتارك يحتمل أن يكون ضمير الله تعالى وضمير منه راجع إلى ما وأن يكون ضمير ما ، والمعنى على الأول أن الحق لا يترك أحدا إلا يصيبه الموت ، وعلى الثاني أنه حضر على أبيك ما لم يترك أحدا لا يصيبه ذلك ، وفي نسخة الموافاة يوم القيامة قال ميرك : يحتمل أن يكون اللام مكسورة ويكون خبر مقدر مثل ذلك أو يتعلق بليس بتارك على إرادة أن ورود الموت على الكل أمر مقدر ، وهو إتيان يوم القيامة يوم جزائهم . انتهى ، وهو مشعر بأنه يحتمل أن يكون اللام مفتوحة وحينئذ تكون اللام الابتدائية والخبر محذوف أي : حكم مقرر وأمر مقدر ويكون المراد مما ليس بتارك منه أحدا هو الكرب الذي يكون للموت لا الموت .