( أخبرنا ، أخبرنا حماد بن سلمة حميد ) : بالتصغير وهو الطويل . ( عن أنس ) : أي ابن مالك . ( قال : رأيت شعر رسول الله ) : أي شعر رأسه . ( صلى الله عليه وسلم مخضوبا ) : قد مر في الأحاديث الصحيحة أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يخضب ، ولعله أراد بالنفي أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم وبالإثبات - إن صح عنه - الأقل منها ، ويجوز أن يحمل أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز ، وذلك بأن الشعر لما كان متغيرا لونه بسبب وضع الحناء على الرأس لدفع الصداع بسبب كثرة التطيب سماه مخضوبا ، أو سمى مقدمة الشيب من الحمرة خضابا بطريق المجاز . ( قال عن حماد ) : أي المذكور . ( وأخبرنا ) : بواو عاطفة . ( عبد الله بن محمد بن عقيل ) : أي ابن أبي طالب الهاشمي وأم عبد الله زينب بنت علي رضي الله عنه ، وعبد الله صدوق ، أخرج حديثه في الأدب المفرد له البخاري وأبو داود والترمذي . ( قال : وابن ماجه عند رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا أنس بن مالك ) : قال العسقلاني : ووقع عند من طريق البخاري حدثنا موسى بن إسماعيل سلام - وهو ابن أبي مطيع عند الجمهور ، أو ابن مسكين عند - ، عن أبي نصر الكلاباذي قال : عثمان بن عبد الله بن موهب فأخرجت إلينا شعرا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوبا أم سلمة . وعند دخلت على من طريق ابن ماجه عن يونس بن محمد ، عن سلام بن أبي مطيع : عثمان بن موهب . وكذا مخضوبا بالحناء والكتم لأحمد عن عثمان ، وعبد الله بن مهدي ، كلاهما عن سلام ، وله من طريق - أبي معاوية - وهو شيبان بن عبد الرحمن . وعند شعرا أحمر مخضوبا بالحناء والكتم الإسماعيلي من طريق أبي إسحاق عن عثمان المذكور : كان مع من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر الحناء والكتم أم سلمة . قال الإسماعيلي : ليس فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خضب بل يحتمل أن يكون احمر بعده لما خالطه من طيب فيه صفرة فغلبت به الصفرة ، قال : فإن كان كذلك وإلا فحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب أصح . كذا وقال الذي أبداه احتمالا قد ثبت معناه موصولا إلى أنس عند في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، وجزم بأنه احمر من الطيب ، قلت : وكثير من الشعور التي تنفصل عن الجسد إذ طال العهد يؤول سوادها إلى الحمرة ، وما جنح إليه من الترجيح خلاف ما جمع به البخاري ، وحاصله أن من جزم بأنه خضب الطبري كابن عمر حكى ما شاهده وكان ذلك في بعض الأحيان ، ومن نفى ذلك كأنس فهو محمول على الأكثر الأغلب من حاله صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض ثم لما وراهن الدهن كما في حديث ظنوا أنه خضب ، والله أعلم ، وقال جابر بن سمرة ميرك : اعلم أن ما ثبت عن أنس في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة ولم يرو عنه خلاف ذلك إلا في هذا الخبر ، فأما أن يحكم بشذوذ هذه الرواية فإن رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب ولم يبلغ شيبه إلى الخضاب حميد وإن كان ثقة فهو مدلس ، قال : عامة ما يرويه حماد بن سلمة حميد عن أنس [ ص: 124 ] سمعه من ثابت فدلسه . ومع هذا فقد خالف في هذا الخبر من هو أوثق منه كمحمد بن سيرين وثابت وقتادة ، وأحاديثهم عن أنس في نفي الخضاب ثابتة في الصحيحين وغيرهما ، وهو واحد وهم جماعة ولذا نقل المصنف عقيبه عن حماد راويه أنه أخبره أنه قال : رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عبد الله بن محمد بن عقيل أنس مخضوبا . إشارة إلى شذوذ رواية حميد فهذا هو الصحيح فإنه روى عن أنه قال : لما مات النبي صلى الله عليه وسلم خضب من كان عنده شيء من شعره ليكون أبقى له أبي هريرة . أخرجه في رجال الدارقطني مالك ، وفي غرائب مالك له أيضا فيحمل على أن شعراته المطهرة التي كانت عند أبي طلحة زوج أم أنس أو عند أمه أم سليم وخضبها أبو طلحة أو أمه كانت موجودة عند أنس فرآها عنده ، أو يحمل رواية عبد الله بن محمد بن عقيل أنس " كان شعره مخضوبا " ، على أنه رآه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم عند أبي طلحة أو عند غيره على الوجه الذي تقدم ، والله أعلم ، وأما ما أخرجه الحاكم وابن سعد من عائشة قالت : ما شانه الله ببيضاء . فمحمول على أن تلك الشعرات البيض لم تغير شيئا من حسنه صلى الله عليه وسلم ، هذا وقد أنكر حديث أحمد إنكار أنس أنه خضب ، وذكر حديث كما تقدم ، ووافق ابن عمر مالك أنسا في إنكار الخضاب وتأول ما ورد في ذلك ، قال النووي : والمختار أنه صلى الله عليه وسلم خضب في وقت لما دل عليه حديث في الصحيحين ولا يمكن تركه ولا تأويله ، وتركه في معظم الأوقات ، فأخبر كل ما رأى وهو صادق ، والله أعلم ، قال ابن عمر ميرك : واختلف أهل العلم سلفا وخلفا في أنه ؟ فذهب جمع إلى الأول مستدلين بحديث هل الخضاب أحب أم تركه أولى رفعه : " أبي هريرة " . أخرجه الشيخان إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم وغيرهم والنسائي أبي أمامة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال : " يا معشر الأنصار حمروا أو صفروا وخالفوا أهل الكتاب " . أخرجه وبحديث أحمد بسند حسن ; ولهذا خضب الحسن والحسين وجمع كثير من كبراء الصحابة ، ومال كثير من العلماء إلى أن ترك الخضاب أولى لحديث عن أبيه عن جده مرفوعا : " عمرو بن شعيب من شاب شيبة فهي له نور إلا أن ينتفها أو يخضبها " . هكذا رواه ، لكن قال الطبري العسقلاني : أخرجه الترمذي وحسنه ، لم أر في شيء من طرقه الاستثناء المذكور ، انتهى . وأخرج الترمذي من حديث وابن ماجه كعب بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " . وأخرجه من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة الترمذي من حديث أيضا وقال صحيح ، وأخرج عمرو بن عبسة من الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ابن مسعود تغير الشيب ; ولهذا لم يخضب حديث علي وسلمة بن الأكوع وجمع جم من كبار الصحابة . وجمع وأبي بن كعب بين الأخبار الدالة على الخضب والأخبار الدالة على خلافه بأن الأمر لمن يكون شيبه مستبشعا فيستحب له الخضاب ، ومن كان بخلافه فلا يستحب في حقه ، ولكن الخضاب مطلقا أولى لأن فيه امتثالا للأمر في مخالفة أهل الكتاب [ ص: 125 ] وفيه صيانة للشعر عن تعلل الغبار وغيره ، إلا إن كان من عادة أهل البلد ترك الصبغ فالترك في حقه أولى ، انتهى . وهو جمع حسن ، ثم إن القائلين باستحباب الخضاب اختلفوا في أنه : هل يجوز الخضب بالسواد والأفضل الخضاب بالحمرة أو الصفرة ؟ فذهب أكثر العلماء إلى كراهة الخضب بالسواد ، وجنح الطبري النووي إلى أنها كراهة تحريم ، وأن من العلماء من رخص فيه في الجهاد ، ولم يرخص في غيره ، واستحبوا الخضاب بالحمرة أو الصفرة لحديث جابر ، قال : بأبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غيروا هذا واجتنبوا السواد " . أخرجه أتي مسلم ، وأخرجه أحمد من حديث أنس قال : أبو بكر بأبيه أبي قحافة يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا إلى آخره . وزاد جاء الطبري من وجه آخر عن وابن أبي عاصم جابر : فذهبوا به وحمروه . والثغامة بضم المثلثة وتخفيف المعجمة نبات شديد البياض زهره وثمره . ولحديث أبي ذر رفعه : " " . أخرجه الأربعة إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم وأحمد ، وصححه وابن حبان الترمذي ، وتقدم أن الصبغ بهما يخرج بين السواد والحمرة .
ولحديث قال : ابن عباس " . أخرجه مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم قد خضب بالحناء ، فقال : " ما أحسن هذا " قال فمر آخر قد خضب بالصفرة ، فقال : " هذا أحسن من هذا كله أبو داود . وابن ماجه
ولحديث أيضا مرفوعا : ابن عباس " . رواه يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون رائحة الجنة أبو داود وفي إسناده مقال . والنسائي
ولحديث رفعه : " أبي الدرداء من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة " . أخرجه الطبراني وسنده لين . وابن أبي عاصم
ومنهم من فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فأجازه لها دون الرجل واختاره الحليمي ، وأما فيستحب في حق النساء ، ويحرم في حق الرجال إلا للتداوي . خضب اليدين والرجلين
هذا فرعون . ثم إن وأول من خضب بالسواد يكره عند أكثر العلماء لحديث نتف الشيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : " عمرو بن شعيب " . رواه الأربعة ، وقال لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم الترمذي حسن . وروى مسلم من طريق قتادة أنس قال : كان يكره نتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته . وقال بعض العلماء : لا يكره نتف الشيب إلا على وجه التزيين . وقال عن ابن العربي : وإنما نهي عن النتف دون الخضب ; لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه ، والله الموفق للصواب .