( حدثنا ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي سفيان عن ) : قيل اسمه حبيب بن أبي ثابت قيس ، وقيل هند بن دينار . ( عن ميمون بن أبي شيب ) : بالمعجمة على زنة حبيب . ( عن ) : بضم الجيم والدال وتفتح . ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سمرة بن جندب البسوا البياض فإنها أطهر ) : أي لا دنس ولا وسخ فيها ، قال ميرك : لأن الأبيض لم يصل إليه الصبغ فإنه قد يتنجس بالتلطخ وملاقاته شيئا نجسا ، إذ الثياب الكثيرة إذا ألقيت في الصبغ يمكن أن يكون ثوب نجس بين الثياب فيتنجس الصبغ ، فالاحتياط أن لا يصبغ الثوب ، ولأن الثوب المصبوغ إذا وقعت عليه نجاسة لا يظهر مثل ظهورها إذا وقعت في ثوب أبيض ، فإذا كانت النجاسة أظهر في الثوب الأبيض كان هو من غيره أطهر . قال الطيبي : لأن البيض أكثر تأثرا من الثياب الملونة فيكون أكثر غسلا فيكون أكثر طهارة . ( وأطيب ) : مأخوذ من الطيب أو الطيب لدلالته غالبا على التواضع وعدم الكبر والخيلاء ، أو لكونه أحسن لبقائه على اللون الذي خلقه الله عليه كما أشار إليه قوله تعالى : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) ، وترك تغيير خلق الله أحسن إلا إذا جاء نص باستحباب تغييره كخضاب المرأة يدها بالحناء ، وإلا إذا كان هناك غرض مباح أو ضرورة كما اختار الأزرق بعض الصوفية لقلة مؤنة غسيله ورعاية حاله ، وقيل : أطهر لأنها تغسل من غير مخافة على ذهاب لونها ، وأطيب أي ألذ لأن لذة المؤمن في طهارة ثوبه ، وأما قول ابن حجر : وفيه من الركاكة ما لا يخفى . فلا يخفى ما فيه من الجفاء مع ظهور الخفاء ، وقد قال بعد ذلك : أخرج أبو نعيم من كرامة المؤمن على الله عز وجل نقاؤه ثوبه ورضاه باليسير ، انتهى . ومعناه باليسير من الثياب أو بالقليل من الدنيا والقناعة بالبلاغ إلى العقبى ، ولأبي نعيم أيضا أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وسخة ثيابه فقال : " أما وجد هذا شيئا ينقي به ثيابه " . ويمكن أن يكون معنى أطيب أنه كلما يغسل الأبيض يكون أطهر ، وأطيب بمعنى أحسن وألذ ، بخلاف المصبوغ فإنه ليس كذلك ، والأظهر أن المراد بأطيب أحل ، ففي النهاية أكثر ما يرد الطيب بمعنى الحلال كما أن الخبيث بمعنى الحرام ، ويؤيده قوله تعالى : ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ) ، وأما قول بعضهم من أنه عطف أحد المترادفين على الآخر مبالغة ، فمدفوع بأن العطف متى أمكن حمله على التأسيس فتقديره على التأكيد ممنوع . ( ) : ولعل فيه الإشارة الخفية إلى أن أطيبية لبس البياض في الدنيا إنما يكون لتذكر لبس أهل العقبى وإيماء إلى أن مآله إلى الخلاقة والبلى فلا [ ص: 149 ] ينبغي للعاقل أن يتكلف ويتحمل في تحصيله البلاء ، وقد أخرج وكفنوا فيها موتاكم من حديث ابن ماجه مرفوعا : " أبي الدرداء " . قال إن أحسن ما زرتم الله به في قبوركم ومساجدكم البياض ميرك : وفي إسناده مروان بن سالم والغفاري متروك الحديث وباقي رجاله ثقات ، انتهى . ففيه إيماء إلى أنهم ينبغي أن يرجعوا إلى الله حيا وميتا بالفطرة الأصلية المشبهة بالبياض ، يعني التوحيد الجبلي بحيث لو خلي وطبعه لاختاره من غير نظر إلى دليل عقلي أو نقلي ، وإنما يغيره العوارض المشار إليها بقوله : " " . بالتقليد المحض الغالب على عامة الأمة ، ( فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ) ، وفيه إشعار إلى طهارة باطنه من الغل والغش والعداوة وسائر الأخلاق الذميمة المشبهة بالنجاسة الحقيقية أو الحكمية ; ولذا قال تعالى : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ، والحاصل أن الظاهر عنوان الباطن وأن لنظافة الظاهر وطهارته وتزيينه تأثيرا بليغا في أمر الباطن ، وفي الحديث ما يؤيد تفسير أطيب بأحسن ، وفي إطلاق أحسن إشعار بزيادة " من " في قوله " من خيار ثيابكم " ، واعلم أن البياض أفضل في الكفن ; لأن الميت بصدد مواجهة الملائكة ، كما أن لبسه أفضل لمن يحضر المحافل لدخول المسجد للجمعة والجماعات وملاقاة العلماء والكبراء ، وأما في العيد فقال بعضهم : الأفضل فيه ما يكون أرفع قيمة نظرا إلى إظهار مزيد النعمة وآثار الزينة ومزية المنة ، قال ميرك : واعلم أن وجه دخول هذين الحديثين في باب لباسه صلى الله عليه وسلم لا يخلو عن خفاء فإنه ليس فيهما التصريح بأنه عليه السلام لبس الثوب الأبيض ، لكن يفهم من أمره بلبس البياض وترغيبه إليه أنه كان يلبسه أيضا ، وقد وقع التصريح بذلك في حديث أبي ذر المخرج في الصحيحين حيث قال : . أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض