( حدثنا أخبرنا ) وفي نسخة أنبأنا ( إسحاق بن منصور سعيد بن عامر ) أي الضبعي أبو محمد البصري أخرج حديثه الستة ( والحجاج ) [ ص: 177 ] بفتح حاء مهملة وتشديد الجيم الأولى ( بن منهال ) بكسر الميم فسكون نون أبو محمد السلمي البصري ، أخرج حديثه الستة ( عن همام ) بتشديد الميم الأولى وسيأتي ذكره مبسوطا ( عن ) بالجيمين مصغرا وسبق ذكرهما ( عن ابن جريج ) تابعي جليل ( عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أنس بن مالك ) بفتح التاء ويكسر لاشتماله على لفظ الله ، فاستصحابه في الخلاء مكروه ، وقيل : حرام ، وقال دخل الخلاء ) أي إذا أراد دخوله ( نزع خاتمه العصام : لاشتماله على جملة من جمل القرآن ، واشتماله على اسم نبي من أنبيائه ، وعلى وصف من أوصاف جميع رسله ، ويناقش في الأول بأنه ليس المراد منه القرآن ، ولا يصير القرآن إلا بالقصد ، ألا ترى أنه يجوز للجنب أن يقول : الحمد لله بلا كراهة ، إلا إذا قصد به التلاوة ، اللهم إلا أن يقال : مراده صورة جملة من القرآن ، وأما قول ميرك : وهو آية من كتاب الله ، فغير صحيح ; ولعل مراده بعض آية ، والحديث رواه أبو داود أيضا وفي روايته ، وضع مكان نزع ولا منافاة بينهما ، إذ لا وضع إلا بعد النزع ، نعم رواية النزع تدل على لبسه بخلاف رواية الوضع ، تأمل قال ميرك : اعلم أن أبا داود أخرج هذا الحديث في سننه ، وقال في آخره : هذا حديث منكر ، وإنما يعرف عن عن ابن جريج عن زياد بن سعد ، عن الزهري أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ، ثم ألقاه والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام انتهى . وكذا ضعفه النسائي والبيهقي ، وأما المؤلف فأخرجه في الجامع ، وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، وصححه أيضا ، ابن حبان والحاكم في المستدرك ، وقال : على شرط الشيخين ، وقال النووي : ضعفه الجمهور ، وما ذكره الترمذي ، مردود عليه ، والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام ، قال الجزري : في هذا التضعيف نظر ، فإن ، واتفق الشيخان على الاحتجاج به ، ووثقه هماما هذا هو ابن يحيى بن دينار أبو عبد الله الأزدي والأئمة كلهم ، وقال ابن معين أحمد : هو ثبت في كل المشايخ ، وقال ابن رعدي : هو أصدق وأشهر من أن يذكر له حديث منكر ، إذ أحاديثه مستقيمة ، وصوب قول تفرده لا يوهن الحديث ، وإنما يكون غريبا كما قاله الحافظ عبد العظيم المنذري الترمذي ، انتهى كلام الشيخ ، أقول : أما حكم أبي داود عليه بالنكارة فوجهه أن هماما خالف الناس برواية هذا الحديث عن ، والمعروف عنه بهذا الإسناد هو الحديث الذي أشار إليه ابن جريج أبو داود ، وهكذا وجهه الزين العراقي في شرح ألفيته ، وهو هذا أحد قسمي المنكر عند وكثير من المتقدمين ، وخص بعض المتأخرين المنكر بالحديث الذي خالف الضعيف الثقة ، كما صرح به ابن الصلاح العسقلاني في شرح النخبة ، وخص الشاذ بما رواه الثقة مخالفا لما رواه من هو أرجح منه ، لمزيد ضبطه أو أكثره عددا ، وقال في آخر بحث الشاذ والمنكر ، الفرق بينهما أن الشاذ رواية ثقة ، والمنكر رواية ضعيف قال : وقد غفل من سوى بينهما ، فعلى هذا الحكم على حديث همام هذا بالشذوذ أولى من الحكم عليه بالنكارة ; لأنه ثقة باتفاق الأئمة ; ولهذا صححه الترمذي لكنه حكم عليه بالغرابة ; لأنه لم يروه غيره ثم وجدت له متابعا عند الحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه من رواية يحيى بن [ ص: 178 ] المتوكل عن ، وصححه ابن جريح الحاكم ، وقال : على شرط الشيخين ، وضعفه البيهقي وقال : هذا شاهد ضعيف ، وكان البيهقي ظن أن يحيى بن المتوكل هو ابن عقيل ، وهو ضعيف ، وليس هو به ، وإنما هو باهلي يكنى أبا بكر ، ذكره في الثقات ، ولا يقدح فيه قول ابن حبان : لا أعرفه ، فقد عرفه غيره ، وروى عنه نحو من عشرين نفسا ، إلا أنه اشتهر تفرد ابن معين همام به عن ، قاله ابن جريج الزين العراقي ، والله أعلم .
على أن أئمة الحديث أطبقوا على أن وهم في الحديث الذي أشار إليه الزهري أبو داود ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ خاتما من ورق ، ثم ألقاه ، قال النووي : تبعا هذا الحديث رواه عن للقاضي عياض جماعة من الثقات ، لكن اتفق حفاظ الحديث على أن الزهري وهم فيه وغلط ; لأن المعروف عند غيره من أهل الحديث أن ابن شهاب إنما هو خاتم الذهب ، لا خاتم الورق ، وكذا نقل الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم العسقلاني في شرح ، عن أكثر أئمة الحديث ، أن البخاري وهم فيه قال : ومنهم من تأوله وأجاب عن هذا الوهم بأجوبة أقربها ما اختاره الشيخ من أنه يحتمل أنه اتخذ خاتم الذهب للزينة ، فلما تتابع الناس فيه وافق تحريمه فطرحه ; ولذا قال : لا ألبسه أبدا ، كما سيأتي ، وطرح الناس خواتيمهم تبعا له ، وصرح بالنهي عن لبس خاتم الذهب ، ثم احتاج إلى الخاتم ; لأجل الختم به ، فاتخذه من الفضة ، ونقش عليه اسمه الكريم ، فتبعه الناس أيضا في ذلك ، فرمى به حتى رمى الناس كلهم تلك الخواتيم المنقوشة على اسمه ; لئلا تفوت مصلحة النقش بوقوع الاشتراك ، فلما عدمت خواتيمهم برميها رجع إلى خاتمه الخاص به ، فصار يختم به ، ويشير إلى ذلك قوله في رواية الزهري عن عبد العزيز بن صهيب أنس عند ، البخاري ، فعلل بعض من لم يبلغه النهي أو بعض من بلغه النهي ، ممن لم يرسخ في قلبه الإيمان من منافق ونحوه ، اتخذوا فنقشوا فوقع ما وقع ، ويكون نشأ له غضب ممن تشبه له في ذلك النقش انتهى ، وأقول الأظهر في الجواب والله أعلم بالصواب أنه صلى الله عليه وسلم بعد تحريمه خاتم الذهب إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا ، فلا ينقش عليه أحد ، فتبعه الناس محافظة على متابعة السنة ، فرأى أن في لبسه ما يترتب عليه من العجب والكبر والخيلاء ، فرماه فرماه الناس ، فلما احتاج إلى لبس الخاتم لأجل الختم به لبسه ، وقال للناس : " لبس خاتم الفضة على قصد الزينة " أي اسمنا بل ينقش اسمه إذا احتاج إلى الخاتم ، وبهذا يظهر وجه قول من قال بكراهة لبس الخاتم لغير الحكام . إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا - أي للمصلحة - فلا ينقش عليه أحد