الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رين ]

                                                          رين : الرين : الطبع والدنس : والرين : الصدأ الذي يعلو السيف والمرآة . وران الثوب رينا : تطبع . والرين : كالصدإ يغشى القلب . وران الذنب على قلبه يرين رينا وريونا : غلب عليه وغطاه . وفي التنزيل العزيز : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون أي : غلب وطبع وختم ، وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى يسواد القلب ، قال الطرماح :


                                                          مخافة أن يرين النوم فيهم بسكر سناتهم كل الريون



                                                          ورين على قلبه : غطي . وكل ما غطى شيئا فقد ران عليه . ورانت عليه الخمر : غلبته وغشيته ، وكذلك النعاس والهم ، وهو مثل بذلك ، وقيل : كل غلبة رين ، وقال الفراء في الآية : كثرت المعاصي منهم والذنوب فأحاطت بقلوبهم فذلك الرين عليها . وجاء في الحديث : أن عمر - رضي الله عنه - قال في أسيفع جهينة لما ركبه الدين : قد رين به ، يقول قد أحاط بماله الدين وعلته الديون ، وفي رواية : أن عمر خطب فقال : ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج فادان معرضا وأصبح قد رين به ، قال أبو زيد : يقال رين بالرجل رينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به وقيل : رين به انقطع به . وقوله فادان معرضا أي : استدان معرضا عن الأداء ، وقيل : استدان معترضا لكل من يقرضه ، وأصل الرين الطبع والتغطية . وفي حديث علي - عليه السلام - : لتعلم أينا المرين على قلبه والمغطى على بصره ، المرين : المفعول به الرين ، والرين سواد القلب ، وجمعه ريان . وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن قوله تعالى : كلا بل ران على قلوبهم قال : هو العبد يذنب الذنب فتنكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب منها صقل قلبه ، وإن عاد نكتت أخرى حتى يسود القلب ، فذلك الرين . وقال أبو معاذ النحوي : الرين أن يسود القلب من الذنوب ، والطبع أن يطبع على القلب ، وهو أشد من الرين ، قال : وهو الختم ، قال : والإقفال أشد من الطبع ، وهو أن يقفل على القلب ، وقال الزجاج : ران بمعنى غطى على قلوبهم . يقال : ران على قلبه الذنب إذا غشي على قلبه . وفي حديث مجاهد في قوله تعالى : وأحاطت به خطيئته قال : هو الران والرين سواء كالذام والذيم والعاب والعيب . قال أبو عبيد : كل ما غلبك وعلاك فقد ران بك ورانك وران عليك ، وأنشد لأبي زبيد يصف سكران غلبت عليه الخمر :


                                                          ثم لما رآه رانت به الخم     ر وأن لا ترينه باتقاء



                                                          قال : رانت به الخمر أي : غلبت على قلبه وعقله . ورانت الخمر عليه : غلبته . والرينة : الخمرة ، وجمعها رينات . وران النعاس في العين . ورانت نفسه : غثت . ورين به . مات . ورين به رينا وقع في غم ، وقيل : رين به انقطع به وهو نحو ذلك ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          ضحيت حتى أظهرت ورين     بي ورين بالساقي الذي كان معي



                                                          وران عليه الموت وران به : ذهب . وأران القوم فهم مرينون : هلكت مواشيهم وهزلت ، وفي المحكم : أو هزلت ، وهم مرينون ، قال أبو عبيد : وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم فلا يستطيعون احتماله . ورانت نفسه ترين رينا أي : خبثت وغثت . وفي الحديث : إن الصيام يدخلون الجنة من باب الريان ، قال الحربي : إن كان هذا اسما للباب وإلا فهو من الرواء ، وهو الماء الذي يروي ، فهو ريان ، وامرأة ريا ، فالريان فعلان من الري ، والألف والنون زائدتان مثلهما في عطشان ، فيكون من باب ريا لا رين ، والمعنى أن الصيام بتعطيشهم أنفسهم في الدنيا يدخلون من باب الريان ليأمنوا من العطش قبل تمكنهم من الجنة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية