الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رثا ]

                                                          رثا : الرثو : الرثيئة من اللبن ، قال ابن سيده : وليس على لفظه في حكم التصريف لأن الرثيئة مهموزة ، بدليل قولهم رثأت اللبن خلطته ، فأما قولهم رجل مرثو أي : ضعيف العقل فمن الرثية . ورثوت الرجل : لغة في رثأته ، ورثت المرأة بعلها ترثيه وترثوه رثاية . قال ابن سيده : وحكى اللحياني رثيت عنه حديثا أي : حفظته ، والمعروف نثيت عنه خبرا أي : حملته . وقال في موضع آخر : وأرى اللحياني حكى رثوت عنه حديثا حفظته وإنما المعروف نثوت عنه خبرا ، وفي الصحاح : رثيت عنه حديثا أرثي رثاية إذا ذكرته عنه . وحكي عن العقيلي رثونا بيننا حديثا ورثيناه وتناثيناه مثله . والرثية - بالفتح : وجع في الركبتين والمفاصل . وقال ابن سيده : وجع المفاصل واليدين والرجلين ، وقيل : وجع وظلاع في القوائم ، وقيل : هو كل ما منعك من الانبعاث من وجع أو كبر ; قال رؤبة فشدد :

                                                          فإن تريني اليوم ذا رثيه

                                                          وقال أبو نخيلة يصف كبره :

                                                          وقد علتني ذرأة بادي بدي

                                                          ورثية تنهض بالتشدد

                                                          وصار للفحل لساني ويدي

                                                          ويروى : في تشدد ، قال : الرثية انحلال الركب والمفاصل ، وقد رثي رثيا ; عن ابن الأعرابي ; قال ابن سيده : والقياس رثى ، وقال ثعلب : والرثية والرثية الضعف . التهذيب : داء يعرض في المفاصل ولا همز فيها ، وجمعها رثيات : وأنشد شمر لجواس بن نعيم أحد بني الهجيم بن عمرو بن تميم قال السكري : ويعرف بابن أم نهار ، وأم نهار هي أم أبيه وبها يعرف :


                                                          وللكبير رثيات أربع : الركبتان والنسا والأخدع



                                                          [ ص: 100 ]

                                                          ولا يزال رأسه يصدع     وكل شيء بعد ذاك ييجع



                                                          والرثية : الحمق : وفي أمره رثية أي : فتور ; وقال أعرابي :


                                                          لهم رثية تعلو صريمة أهلهم     وللأمر يوما راحة فقضاء



                                                          ابن سيده : ورجل مرثوء من الرثية نادر أي : أنه مما همز ولا أصل له في الهمز . ورجل أرثى : لا يبرم أمرا ، ومرثو : في عقله ضعف ، وقياسه مرثي ، فأدخلوا الواو على الياء كما أدخلوا الياء على الواو في قولهم أرض مسنية وقوس مغرية . ورثى فلان فلانا يرثيه رثيا ومرثية إذا بكاه بعد موته . قال : فإن مدحه بعد موته قيل رثاه يرثيه ترثية . ورثيت الميت رثيا ورثاء ومرثاة ومرثية ورثيته : مدحته بعد الموت وبكيته . ورثوت الميت أيضا إذا بكيته وعددت محاسنه ، وكذلك إذا نظمت فيه شعرا . ورثت المرأة بعلها ترثيه ورثيته ترثاه رثاية فيهما الأخيرة عن اللحياني ، وترثت كرثت ; قال رؤبة :


                                                          بكاء ثكلى فقدت حميما     فهي ترثي بأبا وابنيما



                                                          ويروى : وابناما ، ولم يحتشم من الألف مع الياء لأنها حكاية ، والحكاية يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها ، ألا ترى أنهم قالوا من زيدا في حكاية رأيت زيدا ، ومن زيد في حكاية مررت بزيد ؟ وكل ذلك مذكور في مواضعه . وامرأة رثاءة ورثاية : كثيرة الرثاء لبعلها أو لغيره ممن يكرم عندها تنوح نياحة ، وقد تقدم في الهمز ، فمن لم يهمز أخرجه على أصله ، ومن همزه فلأن الياء إذا وقعت بعد الألف الساكنة همزت ، وكذلك القول في سقاءة وسقاية وما أشبهها . قال ابن السكيت : قالت امرأة من العرب رثأت زوجي بأبيات ، وهمزت قال الفراء : ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز ، قالوا : رثأت الميت ، ولبأت بالحج ، وحلأت السويق تحلئة ، إنما هو من الحلاوة . وفي الحديث : أنه نهى عن الترثي ، وهو أن يندب الميت فيقال وافلاناه . ورثيت له : رحمته . ويقال : ما يرثي فلان لي ، أي : ما يتوجع ولا يبالي . وإني لأرثي له مرثاة ورثيا . ورثى له ، أي : رق له ، وفي الحديث : أن أخت شداد بن أوس بعثت إليه عند فطره بقدح لبن وقالت : يا رسول الله إنما بعثت به إليك مرثية لك من طول النهار وشدة الحر ، أي : توجعا لك ، وإشفاقا من رثى له إذا رق ، وتوجع ، وهي من أبنية المصادر ، نحو المغفرة والمعذرة ، قال : وقيل الصواب أن يقال ، مرثاة لك ، من قولهم : رثيت للحي رثيا ، ومرثاة ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية