ذكر علاء الدين غزنة وأخذها منه ملك
لما فرغ بهاء الدين من وصيته توفي ، فسار ولداه إلى غزنة ، فخرج أمراء الغورية وأهل البلد فلقوهما ، وخرج الأتراك معهم على كره منهم ، ودخلوا البلد وملكوه ، ونزل علاء الدين وجلال الدين دار السلطنة مستهل رمضان ، وكانوا قد وصلوا في ضر وقلة من العسكر ، وأراد الأتراك منعهم ، فنهاهم مؤيد الملك وزير شهاب الدين لقلتهم ، ولاشتغال غياث الدين بابن خرميل - والي هراة على ما نذكره - فلم يرجعوا عن ذلك .
ولما استقرا بالقلعة ، ونزلا بدار السلطانية ، راسلهما الأتراك بأن يخرجا من الدار وإلا قاتلوهما ، ففرقا فيهم أموالا كثيرة ، واستحلفاهم فحلفوا ، واستثنوا غياث الدين محمودا ، وأنفذا خلعا إلى تاج الدين ألدز - وهو بإقطاعه - مع رسول ، وطلباه إلى طاعتهما ، ووعداه بالأموال والزيادة في الإقطاع ، وإمارة الجيش ، والحكم في جميع الممالك ، فأتاه الرسول فلقيه وقد سار عن كرمان في جيش كثير من الترك والخلج والغز وغيرهم يريد غزنة ، فأبلغه الرسالة ، فلم يلتفت إليه ، وقال له : قل لهما أن يعودا إلى باميان ، وفيها كفاية ، فإني قد أمرني مولاي غياث الدين أن أسير إلى غزنة وأمنعهما عنها ، فإن عادا إلى بلدهما ، وإلا فعلت بهما وبمن معهما ما يكرهون .
ورد ما معهما من الهدايا والخلع ، ولم يكن قصد ألدز بهذا حفظ بيت صاحبه ، وإنما أراد أن يجعل هذا طريقا إلى ملك غزنة لنفسه .
[ ص: 220 ] فعاد الرسول وأبلغ علاء الدين رسالة ألدز ، فأرسل وزيره ، وكان قبله وزير أبيه ، إلى باميان وبلخ وترمذ وغيرها من بلادهم ، ليجمع العساكر ويعود إليه ، فأرسل ألدز إلى الأتراك الذين بغزنة يعرفهم أن غياث الدين أمره أن يقصد غزنة ويخرج علاء الدين وأخاه منها ، فحضروا عند ابن وزير علاء الدين ، وطلبوا منه سلاحا ، ففتح خزانة السلاح ، وهرب ابن الوزير إلى علاء الدين وقال له : قد كان كذا وكذا ، فلم يقدر [ أن ] يفعل شيئا .
وسمع مؤيد الملك - وزير شهاب الدين - فركب وأنكر على الخازن تسليم المفاتيح ، وأمره فاسترد ما نهبه الترك جميعه ، لأنه كان مطاعا فيهم .
ووصل ألدز إلى غزنة ، فأخرج إليه علاء الدين جماعة من الغورية ومن الأتراك ، وفيهم صونج صهر ألدز ، فأشار عليه أصحابه أن لا يفعل ، وينتظر العسكر مع وزيره ، فلم يقبل منهم ، وسير العساكر ، فالتقوا خامس رمضان ، فلما لقوه خدمه الأتراك وعادوا معه على عسكر علاء الدين فقاتلوهم فهزموهم وأسروا مقدمهم ، وهو محمد بن علي بن حردون ، ودخل عسكر ألدز المدينة فنهبوا بيوت الغورية والبامانية ، وحصر ألدز القلعة ، فخرج جلال الدين منها في عشرين فارسا ، وسار عن غزنة ، فقالت له امرأة تستهزئ به : إلى أين تمضي ؟ خذ الجتر والشمسة معك ! ما أقبح خروج السلاطين هكذا ! فقال لها : إنك سترين ذلك اليوم ، وأفعل بكم مما تقرون به بالسلطنة لي .
وكان قد قال لأخيه : احفظ القلعة إلى أن آتيك بالعساكر ، فبقي ألدز يحاصرها وأراد من مع ألدز نهب البلد ، فنهاهم عن ذلك وأرسل إلى علاء الدين يأمره بالخروج من القلعة ، ويتهدده إن لم يخرج منها ، وترددت الرسل بينهما في ذلك ، فأجاب إلى مفارقتها والعود إلى بلده ، وأرسل من حلف له ألدز أن لا يؤذيه ، ولا يتعرض له ، ولا لأحد ممن يحلف له .
وسار عن غزنة ، فلما رآه ألدز وقد نزل من القلعة عدل إلى تربة شهاب الدين مولاه ، ونزل إليها ، ونهب الأتراك ما كان مع علاء الدين ، وألقوه عن فرسه ، وأخذوا ثيابه ، وتركوه عريانا بسراويله .
[ ص: 221 ] فلما سمع ألدز ذلك أرسل إليه بدواب وثياب ومال ، واعتذر إليه فأخذ ما لبسه ورد الباقي ، فلما وصل إلى باميان لبس ثياب سوادي ، وركب حمارا ، فأخرجوا له مراكب ملوكية ، وملابس جميلة ، فلم يركب ولم يلبس ، وقال : أريد [ أن ] يراني الناس وما صنع بي أهل غزنة ، حتى إذا عدت إليها وخربتها ونهبتها لا يلومني أحد . ودخل دار الإمارة وشرع في جمع العساكر .