قد ذكرنا استيلاء ملك ألدز على الأموال والسلاح والدواب وغير ذلك مما كان صحبة شهاب الدين وأخذه من الوزير مؤيد الملك ، فجمع به العساكر من أنواع الناس : الأتراك والخلج والغز وغيرهم ، وسار إلى غزنة وجرى له مع علاء الدين ما ذكرنا .
فلما خرج علاء الدين من غزنة أقام ألدز بداره أربعة أيام يظهر طاعة غياث الدين . إلا أنه لم يأمر الخطيب بالخطبة له ولا لغيره ، وإنما يخطب للخليفة ، ويترحم على شهاب الدين الشهيد حسب .
فلما كان في اليوم الرابع أحضر مقدمي الغورية والأتراك ، وذم من كاتب علاء الدين وأخاه ، وقبض على أمير داذ والي غزنة .
فلما كان الغد ، وهو سادس عشر رمضان ، أحضر القضاة والفقهاء والمقدمين ، وأحضر أيضا رسول الخليفة ، وهو الشيخ الفقيه الشافعي مدرس النظامية مجد الدين أبو علي بن الربيع ببغداد ، وكان قد ورد إلى غزنة رسولا إلى شهاب الدين ، فقتل شهاب الدين وهو بغزنة ، فأرسل إليه وإلى قاضي غزنة يقول له : إنني أريد [ أن ] أنتقل إلى دار السلطانية ، وأن أخاطب بالملك ، ولا بد من حضورك . والمقصود من هذا أن تستقر أمور الناس . فحضر عنده فركب ألدز والناس في خدمته ، وعليه ثياب الحزن ، وجلس في الدار في غير المجلس الذي كان يجلس فيه شهاب الدين ، فتغيرت لذلك نيات كثير من الأتراك ، لأنهم كانوا يطيعونه ظنا منهم أنه يريد الملك لغياث الدين ، فحيث رأوه يريد الانفراد تغيروا عن طاعته ، حتى إن بعضهم بكى غيظا [ ص: 222 ] من فعله ، وأقطع الإقطاعات الكثيرة ، وفرق الأموال الجليلة .
وكان عند شهاب الدين جماعة من أولاد ملوك الغور وسمرقند وغيرهم ، فأنفوا من خدمة ألدز ، وطلبوا منه أن يقصد خدمة غياث الدين ، فأذن لهم وفارقه كثير من أصحابه إلى غياث الدين وإلى علاء الدين وأخيه صاحبي باميان ، وأرسل غياث الدين إلى ألدز يشكره ، ويثني عليه لإخراج أولاد بهاء الدين من غزنة ، وسير له الخلع ، وطلب منه الخطبة والسكة ، فلم يفعل ، وأعاد الجواب فغالطه ، وطلب منه أن يخاطبه بالملك وأن يعتقه من الرق لأن غياث الدين ابن أخي سيده لا وارث له سواه ، وأن يزوج ابنه بابنة ألدز ، فلم يجبه إلى ذلك .
واتفق أن جماعة من الغوريين ، من عسكر صاحب باميان ، أغاروا على أعمال كرمان وسوران ، وهي أقطاع ألدز القديمة ، فغنموا ، وقتلوا ، فأرسل صهره صونج في عسكر ، فلقوا عسكر الباميان فظفر بهم ، وقتل منهم كثيرا ، وأنفذ رءوسهم إلى غزنة فنصبت بها .
وأجرى ألدز في غزنة رسوم شهاب الدين ، وفرق في أهلها أموالا جليلة المقدار ، وألزم مؤيد الملك أن يكون وزيرا له ، فامتنع من ذلك ، فألح عليه ، فأجابه على كره منه ، فدخل على مؤيد الملك صديق له يهنئه ، فقال : بماذا تهنئني ؟ من بعد ركوب الجواد بالحمار ! وأنشد :
ومن ركب الثور بعد الجواد أنكر إطلاقه والغبب
بينا ألدز يأتي إلى بابي ألف مرة حتى آذن له في الدخول أصبح على بابه ! ولولا حفظ النفس مع هؤلاء الأتراك لكان لي حكم آخر .