العلوم الإنسانية وصلتها بالثقافة الذاتية..
لندع هـذا الاستطراد الحزين ولنعد إلى حديث الثقافة الذاتية والعامة لنتساءل: هـل العلوم الإنسانية من النوع الأول أو الأخير؟
والعلوم الإنسانية هـي علم النفس والاجتماع والتربية والأخلاق والاقتصاد [ ص: 47 ] والسياسة والإدارة.. والتاريخ.. إلخ، وقد تنضم إليها بعض الفلسفات الإلهية وغير الإلهية..
وموضوعات هـذه وتلك تتناول صلة الإنسان بنفسه وغيره ودائرتها تتشابك مع الإسلام في مساحات واسعة..
وأرى أن نستفيد من هـذه الدراسات على ضوء من المعرفة الدقيقة بما قال الإسلام في قضاياها المتشعبة.
إن العلوم الإنسانية تكون أحيانا وصافة لأحوال النفس والمجتمع.
ويتسم عملها في هـذا المجال بالصدق والحياد غالبا.
وقد تقرر أحكاما حسنة تتفق مع الفطرة التي هـي صفة الإسلام الأولى.
وقد تشرح وسائل جيدة لأهداف يسعى إليها الدين، ويترك ما يوصل إليها لاجتهادنا العادي.
وإلى جانب ذلك فقد تتضمن أخطاء ونظرات شاردة، وعلى كل حال فالإسلام إذا تكلم فهو أهدى منها سبيلا، وأصدق قيلا..
وقد تناول آباؤنا فلسفة اليونان، ونشاطاتهم العقلية، فمنهم من فتن بها إلى حد الغفلة، ومنهم من ردها جملة وتفصيلا، ومنهم من أخذ ورد، ونظر ونقد...!!
وإني لأعجب من مفكر مسلم يقبل خرافة العقول العشرة التي اختلقها أرسطو ، ومن مفكر آخر يقبل الهراء المذكور عن مدينة أفلاطون الفاضلة، ولا أعرف سبب هـذه الغفلات؟
وقد درسنا جملة من العلوم الإنسانية في شبابنا، ولا نزال نتابع القراءة والمقابلة في قضايا كثيرة..
وإنما دفعني إلى الوصاة باستمرار هـذه الدراسة أمران: [ ص: 48 ]
إنها تعرض الواقع الأدبي والمادي للبشرية كلها، ومعرفة هـذا الواقع مطلوبة.
وإنها قد تتضمن مقترحات لخير الإنسانية أجود من المقترحات التي يعرضها أصحاب التدين المغشوش، أو السطحي للإصلاح العام!
إذ يوجد بين المتدينين للأسف من يعتبر الدساتير بدعة مردودة، لأن ضبط نواقض الوضوء أهم عنده من ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم..!