الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              مشكلات في طريق الحياة الإسلامية

              محمد الغزالي

              معالم النقلة الجديدة

              وحتى لا يكون حديثنا دعوى مجردة نذكر معالم النقلة التي حولت العالم إلى أوضاعه الجديدة:

              (أ) قام العقل الإسلامي على الحقائق وحدها، ونفي الأوهام والظنون واعتمد على الفكر الذكي والحواس اليقظة في تقرير أنواع المعرفة، وما كانت البشرية تدرك ذلك لولا القرآن الذي عد الغباء، وبلادة الحواس، وقلة الوعي هـي طريق النار... [ ص: 68 ]

              وعلى النسق البلاغي العالي في تعبير القرآن تقرأ قوله تعالى:

              ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هـم أضل أولئك هـم الغافلون ) (الأعراف: 179).

              والصياغة في الآية كما تقول: إن السقوط يتخير ذويه من كل كسول لا يذاكر دروسه، ومن كل لاه يهجر أساتذته...

              إن الإسلام بظهوره العظيم أنشأ حركة فكرية ما كان للعالم عهد بها من قبل..

              (ب) قام الخلق الإسلامي على نشدان الكمال في السلوك الإنساني كله، وصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم يقول: ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .

              ويقول:

              ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، إن الله يكره الفاحش البذيء، وإن صاحب الخلق الحسن يبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ) .

              كان تدريس الأخلاق حكرا على بعض الفلاسفة يترفعون به في مجالسهم، أو كان شارة تخص المعدين لعمل معين، حتى جاء الإسلام فجعل الخلق الفاضل كالنقد المتداول، يسود كل مجلس، ويدخل كل سوق، ويصبغ كل معاملة.

              ورفض الإسلام قبول العبادات المعزولة عن مكارم الأخلاق المخلوطة بمنكر القول والعمل، وكانت المراسيم العبادية قديما هـي مظهر الفضل والامتياز.. [ ص: 69 ]

              (جـ) والضمير الإسلامي (وهو القلب بتعبير الشرع) ضمير شديد الحساسية بالخير والشر، وما يرضى الله وما يسخطه، وهو معمور بالتقوى، ومراقبة الله، بعيد عن دوافع الرغبة العاجلة والخوف الخسيس، موصول بالله وحده، ورضي بما عنده...

              ولا تنس أن الضمير الاستعماري أباد سكان استراليا إلا قليلا، وأباد سكان أميركا إلا قليلا، لكي ينفرد بخيرات الأرض! إنه ضمير تجاري جشع، يتحرك بمنطق الربح والخسارة، يتقهقر عند خوف العصا، ويقدم عند أمن العقوبة..

              أما الضمير الإسلامي فهو محصن بمعاني التقوى، محكوم بقوله تعالى:

              ( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم ) .. (الشعراء: 88، 89). وقول رسوله عليه الصلاة والسلام : ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب ) .

              (د) والجسم في نظر الإسلام يجب أن يكون وضيئا، والوضاءة شيء فوق الطهارة والجمال، وأنواع الغسل التي أوجبها الدين تجعل المرء ناصع الجبين أغر الوجه، ليس على الجلد درن ولا عرق، ولا كدر.

              ولم يعرف - قبل الإسلام - اهتمام بالجسد الإنساني، بل كانت علل الوساخة تفتك بالأوربيين.

              ولم تعرف العواصم الأوربية الحمامات وأنواع التطهر إلا اقتباسا من الإسلام، وتقليدا لأهله.

              والكلام يطول في سنن الفطرة وحقوق الجسد! وليس ذلك بداهة [ ص: 70 ] عبادة للجسد، أو ترجيحا له على اللب والقلب، ولكنه اهتمام بالشخصية الإنسانية كلها.

              والتجمل بالنسبة إلى المرأة، هـو المحافظة على تكوينها السليم، وتقويمها الحسن، وهو غير التبرج الذي يعني استثارة الآخرين، ومحاولة فتنتهم..!

              التالي السابق


              الخدمات العلمية