الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              ملحق

              من أمارات النضرة في ثقافتنا القديمة هـذه الكلمات لابن الجوزي يدعو فيها إلى علو الهمة، ويطلب من المسلم أن يكون طليعة سابقة في كل ميدان، يقول: ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض! ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض! إن هـذه الصيحة الشماء نضحت من وحي الإيمان الحق، ومن خصائص التربية [ ص: 41 ] الإسلامية في الشروق المحمدي الأول، وهو الشروق الذي قاده رجال أصحاب عزمات شداد، وآمال عراض، فطووا في سياحتهم المشارق والمغارب!

              وابن الجوزي من علماء القرن السادس الهجري، ولو رأى المسلمين الآن في عصر الفضاء ينظرون إلى غزاة الجو ببلاهة لحمل السوط وجلد به الظهور، ولبرأ الإسلام من هـذا الانتماء المخزي!

              وأريد أن أنقل نصا لإمام الحرمين يتحدث فيه عن فروض الكفاية ، وعن الموقف إذا تعارض فرض كفاية مع فرض عين ؟

              ولنثبت النص أولا ثم نتبعه بشرح موجز.. قال رحمه الله: ثم الذي أراه أن القيام بما هـو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى في فنون القربات، ومن فرائض الأعيان! فإن ما تعين على المتعبد المكلف لو تركه ولم يقابل أمر الشارع فيه بالارتسام ـالانقيادـ اختص المأثم به، ولو أقامه فهو المثاب.

              ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات لعم المأثم الكافة على اختلاف الرتب والدرجات، فالقائم به كاف نفسه وكافة المخاطبين الحرج والعقاب، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر من يحل محل المسلمين أجمعين في القيام لمهم من مهمات الدين.

              ثم ما يقضى عليه بأنه من فروض الكفايات قد يتعين على بعض الناس في بعض الأوقات، فإن من مات رفيقه في طريقه، ولم يحضر موته غيره تعين عليه القيام بغسله وتكفينه ودفنه... إلخ.

              ومضى الإمام بمنهجه الذكي يشرح ضرورة التيقظ لفروض الكفاية، ويبين كيف تتحول فروض عين، ويبدي رأيه في تقديمها على الواجبات العينية في بعض الأحيان. [ ص: 42 ]

              ولست أحب الجدل في قضايا موهومة، فأتخيل في دنيا الناس اليوم أن الوقت لا بد فيه من أحد أمرين: إما الصلاة مثلا، وإما كذا من الواجبات الكفائية!

              إن أسبوع العمل في العالم المتقدم أربعون ساعة فقط! استغرقت كل ما تطالب به الأمة من أعمال تثبت وجودها، وتنجح رسالتها، وتعلي رايتها..

              وما بقي من (168) ساعة هـو لاستجمام الفرد ومرحه ولهوه...

              والدين لم يقاسم المرء ساعات عمره بهذا الحساب، ولم يجعل للعبادات المحضة إلا أويقات محدودة!

              ويقدر أي إنسان أن يجعل طعامه ومنامه عبادة بحسن القصد وإرادة الله وابتغاء ما عنده.

              ويقدر كل إنسان أن يجعل أي عمل له في البر أو البحر أو الجو طاعة لله بهذه النية الشريفة..!

              وعندما فرض الله الصلوات المكتوبة جعل لها أوقاتا موسعة، وأوقات ضرورة.

              ويمكن التنسيق الجميل بين شعائر الله، وسائر الأعمال الأخرى!

              الأساس الذي ننطلق منه أن نعرف أنفسنا، أن نعرف أننا أصحاب رسالة سماوية لا تنجح إلا إذا ملكت خيرات الأرض وبركاتها وطوعتها لخدمة هـذه الرسالة...!!

              لا، إن الإسلام هـو وحده العلاقة الفذة بين الله والناس، من بدء الخلق إلى قيام الساعة! ولدينا وحدنا معالم الوحي وكلماته الأخيرة، فإذا فشلنا في تقدير تراثنا، وحشد قوى الكون لإحقاق الحق وإبطال الباطل فلا نلومن إلا أنفسنا..!! [ ص: 43 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية