الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              التعاون في المتفق عليه..

              إن ما يتفق المسلمون عليه كثير، فلماذا لا يتعاونون على تحقيقه؟ أحسب أنهم لو اجتمعوا على ذلك لما بقي لديهم وقت للخلاف على الفرعيات، ولو اختلفوا عليها ما بقي لديهم وقت لتحويل الخلاف إلى حرب باردة ساخنة..!!

              إنني أحب أهل الحديث، والدارسين لعلومه، وذلك فرع من حبي الجم لصاحب الرسالة، قمة القمم ونبي الأنبياء محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وسلامه، وأرى أن هـذا الجانب من ثقافتنا الإسلامية لا بد منه ولا غنى عنه...

              لكن من قال: إن رجال الفقه ومجتهديه العظام جانب آخر يغاير الأول، وإن الفقهاء سبب فرقة الأمة، وبعدها عن ينابيع الإسلام الأولى؟

              إن هـذا الكلام ضرب من اللغو! ولقد تتبعت خلافا في عدد من القضايا نشب بين المشتغلين بالسنة المعنين بالرواية، فوجدته لا يقل عما يجري في آراء الفقهاء من تفاوت.

              فابن حزم يوقع الطلاق الثلاث، ويرى هـذا الحكم ما تدل عليه السنة، ولو كان بكلمة واحدة.

              وابن تيمية يرى غير ذلك، ويعد الثلاث واحدة ما دامت في المجلس أو بلفظ واحد، ويبني على ذلك جواز الرجعة، بينما يرى ابن حزم أنه لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.. [ ص: 147 ]

              وابن حزم يرى الغناء - الحسن - مباحا، ويجيز بيع آلاته من معازف ومزامير.

              ويرى ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم تحريم هـذا كله..

              ورأيت خلافا بين الشيخ الألباني - وهو محدث كبير - وبين الإمامين ابن تيمية وابن القيم، فالألباني يرى الغسل يوم عرفة بدعة، ويراه ابن تيمية ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! والألباني يرى الجمع بين الصلاتين في السفر ثابتا! ويقول ابن القيم : لم يكن ذلك من هـديه صلى الله عليه وسلم.

              ويقول ابن تيمية: إن الوضوء من مس الذكر مستحب، ويقول الألباني بل واجب!

              ولو تتبعان ما اختلف فيه المعتمدون على الأحاديث لطال بنا الإحصاء.

              وآخر ذلك ما قاله الشيخ الألباني من حرمة الذهب المحلق - المستدير - على النساء اعتمادا على حديث لا يصح، وفهم لا يتعين كما يرى معارضوه، مع أن الإجماع على حله لهن..!

              ماذا يعني هـذا كله؟ يعني أن اختلاف الآراء وتباين المذاهب شيء لا يمكن تجاهله، ولا الفرار منه، فتلك سنة الله في الأنفس والأذهان.

              والخلاف لا يحل بالعصي، ولا بالسفاهة! وإنما يحل بالتعاون على ما اتفقنا عليه والتماس العذر للمخالف إذا كان أهلا للبحث والاجتهاد.

              إن خطأ المجتهد مأجور.. وينبغي إغلاق الأبواب أمام التافهين حتى لا يتكلم في دين الله إلا أهل الذكر..

              ومن طلب وجه الله قنع بما يحسن، وحرس الإسلام في الميدان الذي يعمل به!

              وكم من ميدان عمل الآن يخلو من الرجال، لأن الرجال يتهارشون في ميدان الكلام حول بعض الفروع التي لا تجدي على الإسلام شيئا. [ ص: 148 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية