الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق : سمى الله تعالى كل واحد من العم والجد أبا، وبدأ بذكر الجد، ثم إسماعيل العم؛ لأنه أكبر من إسحاق.

                                                                                                                                                                                                                                      تلك أمة قد خلت أي: مضت.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تسألون عما كانوا يعملون أي: لا يؤاخذ أحد بذنب أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا أي: دعت كل فرقة إلى ما هي عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قل بل ملة إبراهيم حنيفا أي: مائلا إلى الإسلام، و (الملة): الحنيفية؛ لأنها [ ص: 348 ] مائلة عن اليهودية والنصرانية، وهذا من الحنف في الرجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى (الحنيف): المستقيم، سمي بذلك على التفاؤل، كما قيل للديغ: سليم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (بل ملة إبراهيم) فيمن نصب: بل نتبع ملة إبراهيم، أو الزموا ملة إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : جاء نفر من اليهود إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فسألوه عمن يؤمن به من الأنبياء، فنزلت الآية، فلما ذكر عيسى؛ قالوا: لا نؤمن بعيسى، ولا بمن آمن به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {والأسباط}: (الأسباط): ولد يعقوب، وهم اثنا عشر ولدا، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس، وأسماؤهم فيما ذكر المفسرون: يوسف، وبنيامين، وثفتاي، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، ودان، وقهاث، [ ص: 349 ] ويشجر، وجاد، وآشر.

                                                                                                                                                                                                                                      وسوا (الأسباط) من (السبط) ؛ وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون، وقيل: أصله من (السبط) ؛ وهو الشجر، والسبط: الجماعة الراجعون إلى أصل واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      لا نفرق بين أحد منهم أي: لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به : قال ابن عباس : المعنى: بما آمنتم به، فـ (مثل) على قوله زائدة، ومثله: ليس كمثله شيء [الشورى: 11]، المعنى: ليس كربنا تعالى شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الباء زائدة، والمعنى: فإن آمنوا مثل إيمانكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي بمعنى (على)، المعنى: فإن آمنوا مثل إيمانكم].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فإن أتوا بتصديق مثل تصديقكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تولوا فإنما هم في شقاق : (الشقاق): التعادي، وأصله من الشق، [ ص: 350 ] فكل واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من (المشقة) ؛ لأن كل واحد منهما يحرص على ما يشق على صاحبه.

                                                                                                                                                                                                                                      فسيكفيكهم الله : هذا من إعلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبره بأنه كافيه إياهم، فكان كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      صبغة الله أي: دين الله، عن الحسن، ومجاهد، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل ذلك: أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء، وهو الذي يسمونه المعمودية، فأعلم الله أن صبغته أحسن صبغة؛ وهي الإسلام، وقيل: الختان، وذكر الصبغ ههنا اتساعا ومجازا.

                                                                                                                                                                                                                                      ونحن له عابدون أي: صبغة الله الذي نحن له عابدون أولى بأن تتبع.

                                                                                                                                                                                                                                      قل أتحاجوننا في الله : قال الحسن : كانت المحاجة أن قالوا: نحن أولى بالله منكم؛ لأننا أبناء الله وأحباؤه.

                                                                                                                                                                                                                                      غيره: لتقدم الكتاب والنبوة فينا، ولأننا لم نعبد الأوثان.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 351 ] ونحن له مخلصون أي مخلصون العبادة.

                                                                                                                                                                                                                                      أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب الآية: ألزمهم الله تعالى الحجة حين قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [البقرة: 111]؛ بإخباره أن هؤلاء الأنبياء كانوا على الملة الحنيفية، ووبخهم على ادعائهم عليهم غير ذلك، فقال: قل أأنتم أعلم أم الله ، و (أم) ههنا متصلة على قراءة من قرأ بالتاء في (يقولون) كأن المعنى: أتحاجوننا في الله، أم تقولون: إن الأنبياء كانوا على دينكم؟ وهي على قراءة من قرأ بالياء منقطعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله يعني: علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام، وقيل: هو ما عندهم من صفة النبي عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية