الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 163 ] فصل ( في الإنكار على من يخالف مذهبه بغير دليل ) .

ومن التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بلا دليل ولا تقليد سائغ ولا عذر كذا ذكر في الرعاية هذه المسألة وذكر في موضع آخر : يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر ولا يقلد غير أهله ، وقيل بلا ضرورة قال الشيخ تقي الدين رحمه الله بعد أن ذكر المسألة الأولى من كلام ابن حمدان رحمه الله هذا يراد به شيئان أحدهما أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله فإنه يكون متبعا لهواه عاملا بغير اجتهاد ولا تقليد فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي وهذا منكر .

وهذا المعنى هو الذي أراد الشيخ نجم الدين ، وقد نص الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه مثل أن يكون طالبا لشفعة الجوار فيعتقد أنها حق له ثم إذا طلبت منه شفعة الجوار اعتقد أنها ليست ثابتة . أو مثل من يعتقد إذا كان أخا مع جد أن الإخوة تقاسم الجد ، فإذا صار جدا مع أخ اعتقد أن الجد لا يقاسم الإخوة .

وإذا كان له عدو يفعل بعض الأمور المختلف فيها كشرب النبيذ المختلف فيه ولعب الشطرنج وحضور السماع أن هذا ينبغي أن يهجر وينكر عليه ، فإذا فعل ذلك صديقه اعتقد أن ذلك من مسائل الاجتهاد التي لا تنكر ، فمثل هذا ممن يكون في اعتقاده حل الشيء وحرمته ووجوبه وسقوطه بحسب هواه وهو مذموم مجروح [ ص: 164 ] خارج عن العدالة .

وقد نص أحمد رضي الله عنه وغيره على أن هذا لا يجوز أما إذا تبين له رجحان قول على قول إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها أو يفهمها ، وإما بأن يرى أحد الرجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر وهو أتقى لله فيما يقوله فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا ، فهذا يجوز بل يجب وقد نص الإمام أحمد على ذلك .

وقال الشيخ تقي الدين في المسألة الثانية العامي هل عليه أن يلتزم مذهبا معينا يأخذ بعزائمه ورخصه ؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد وهما وجهان لأصحاب الشافعي ، والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا يوجبون له ذلك ، والذين يوجبونه يقولون إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه مادام ملتزما له أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام عنه .

ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني مثل أن يلتمس مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك فهذا مما لا يحمد عليه بل يذم عليه في نفس الأمر ولو كان ما انتقل إليه خيرا مما انتقل عنه ، وهو بمنزلة من يسلم لا يسلم إلا لغرض دنيوي ، أو يهاجر من مكة إلى المدينة إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها .

قال وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني فهو مثاب على ذلك بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل عنه ولا يتبع أحدا في مخالفة الله ورسوله فإن الله فرض طاعة رسوله على كل أحد في كل حال قال القاضي فيمن خالف مذهبه ينكر عليه وإن جاز أن يختلف اجتهاده الأول لأن الظاهر بقاؤه عليه وإلا أظهره لينفي عنه الظن والشبهة كما ينكر على من أكل في رمضان أو طعام غيره وإن جاز أن يكون هناك عذر قال وإن علمنا من حال العامي أنه قلد من يسوغ اجتهاده لم ينكر عليه وإلا أنكرنا لأنه لا يجوز له العمل بما عنده كذا قال ، والأولى أنا لا ننكر إلا مع العلم أنه لا يقلد مع الظن فيه نظر .

وقد قال ابن عقيل في معتقده ومن لم يعلم أن الفعل الواقع من أخيه المسلم جائز [ ص: 165 ] في الشرع أم غير جائز فلا يحل له أن يأمر ولا ينهى وكذا ذكر القاضي . وقد قال صاحب المحرر وغيره عقب حديث عائشة إن ناسا يأتوننا باللحم لا ندري أسموا عليه أم لا قال : { سموا أنتم عليه وكلوا } .

قالوا : وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد .

التالي السابق


الخدمات العلمية