الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال أبو داود في باب التشديد في الدين حدثنا سليمان بن داود [ ص: 80 ] المهري أنبأنا ابن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب أنه سمع أبا عبد الله القرشي سمعت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إن أعظم الذنوب عند الله عز وجل أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عز وجل عنها أن يموت رجل عليه دين لا يدع له قضاء } .

كذا في نسخة " إن أعظم " وفي نسخة " إن من أعظم أبو عبد الله القرشي تفرد عنه سعيد فلهذا قال بعضهم لا يعرف لكن سعيد من الثقات الذين روى لهم الجماعة . والله أعلم ، وقد يقال : والأخبار السابقة عامة وإخراج هذا الفرد منها يفتقر إلى دليل والأصل عدمه ، وهذا ضعيف ، ولأنه دين ثابت في الذمة ; لأن الموت لا يسقطه بدليل صحة ضمانه ، ولو تبرع إنسان بقضائه جاز لرب الدين قبضه ، ولأن من ضمن مفلسا حيا لا يبرأ بموته ولو برئ المضمون برئ الضامن وما ثبت الأصل دوامه واستمراره ولم يزل إلا بمزيل .

وزواله من غير بدل ولا تعويض إجحاف بصاحب الحق وإضرار به فوجب اطراحه ، وهذا ضعيف أيضا ، وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر ضعيف ; لأن ابن معين وأبا داود والنسائي وغيرهم ضعفوا صدقة بن موسى وهو الدقيقي وقيس بن زيد لم أجد من يروي عنه غير أبي عمران الجوني .

وقال أبو الفتح الأزدي ليس بالقوي وقاضي المصرين وهما البصرة والكوفة هو شريح القاضي الإمام المشهور ، وإن صح هذا الخبر فإنما هو في حق من أصيب في ماله فقابل ثواب المصيبة حق صاحب المال فلهذا خلص من تبعته في الآخرة بخلاف مسألتنا : { ولا يظلم ربك أحدا } .

من أن الخبر لا يلزم منه سقوط المطالبة عن كل مدين ولله سبحانه أن يتفضل بما شاء على ما يشاء من عباده ، ولأنه في الآخرة موسر مكلف فكلف بالخلاص من الحق كما لو أيسر في الدنيا ، ويساره إما بحسناته ، وإما بأن يحمل من سيئات صاحبه عليه كما دل عليه الخبر الصحيح . وبهذا يعرف ضعف القول بأنه من تكليف المحال وهو أيضا لزمه بفعله واختياره .

[ ص: 81 ] ودعوى أنه غير آثم إن أريد بوجه ما فممنوع ، وإن أريد به من بعض الجهات فيسلم ، ولكن لا ينتج الدليل ، وبسط القول في ذلك يطول وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى ، أما إن أنفقه أو أتلفه مسلم غير مكلف ومات معسرا غير مكلف لم يمكن القول بأن صاحبه لا يجازى عليه ولا أنه يتبع به غير المكلف ; لأنه يفضي إلى تكليفه ودخوله النار بتحميله من سيئات صاحب المال .

وقد نقل الإمام أحمد وغيره إجماع العلماء على أن من مات مسلما صغيرا من أهل الجنة ، فتعين أنه بمنزلة حرقه ، وغرقه ، ونحو ذلك من المصائب والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية