وقد تقدم الكلام في الهجر وقال في مكان آخر : ويجب هجر من كفر ، أو فسق ببدعة ، أو دعا إلى بدعة مضلة ، أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه ، أو خاف الاغترار به ، والتأذي دون غيره وقيل : يجب هجره مطلقا وهو ظاهر كلام أحمد السابق ، وقطع الإمام أحمد به في معتقده قال ليكون ذلك كسرا له واستصلاحا واستدل عليه . ابن عقيل
وقال أيضا : إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة ، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون ، هذا يقول : حديث خرافة والمعري يقول :
تلوا باطلا وجلوا صارما وقالوا صدقنا فقلنا نعم
يعني بالباطل كتاب الله عز وجل . وعاشوا سنين وعظمت قبورهم واشتريت تصانيفهم ، وهذا يدل على برودة الدين في القلب . وهذا المعنى قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى وقال حدثنا الخلال : أن إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه . أبا عبد اللهقال : لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه ، وقال ابن حامد : يجب على الخامل ، ومن لا يحتاج إلى خلطتهم ، ولا يلزم من يحتاج إلى خلطتهم لنفع المسلمين وقال ابن تميم : وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم المتظاهرين بالمعاصي ، وترك السلام عليهم فرض كفاية ، ومكروه لسائر الناس ، وقيل : لا يسلم أحد على فاسق معلن ولا مبتدع معلن داعية ، ولا يهجر مسلما مستورا غيرهما من السلام فوق ثلاثة أيام .
وقد [ ص: 238 ] تقدمت هذه المسألة وقال القاضي أبو الحسين في التمام : لا تختلف الرواية وفي وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة أطلق كما ترى ، وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر ، وغيره في المبتدع والفاسق قال : ولا فرق في ذلك بين ذي الرحم ، والأجنبي إذا كان الحق لله تعالى ، فأما إذا كان الحق لآدمي كالقذف والسب والغيبة وأخذ ماله غصبا ونحو ذلك نظرت ، فإن كان المهاجر والفاعل لذلك من أقاربه وأرحامه لم تجز هجرته ، وإن كان غيره ، فهل تجوز هجرته أم لا ؟ على روايتين وهذا لفظ والده في الأمر بالمعروف أو معناه إلا أنه قال : وإن كان الحق غيره ، فهل تجوز على روايتين .
وقال : قد نص على معنى هذا التفصيل قال في رواية أحمد الفضل بن زياد وقد سأله رجل عن ابنة عم له تنال منه وتظلمه وتشتمه وتقذفه فقال : سلم عليها إذا لقيتها اقطع المصارمة ، المصارمة شديدة ، وهذا يدل على منع الهجر لأقاربه لحق نفسه .
وقال في رواية المروذي : وقد سأله رجل فقال : إن رجلا من أهل الخير قد تركت كلامه لأنه قذف مستورا بما ليس منه ولي قرابة يسكرون ، فقال : اذهب إلى ذلك الرجل حتى تكلمه ودع هؤلاء الذين يسكرون ، وهذا يدل على جواز ذلك في حق القريب ، ولا يجوز ذلك في حق الأجنبي ; لأنه أمره بكلام القاذف ، ومنعه من كلام الشارب مع كونه قرابة له .
وقال ذكر المروذي الطوسي ، فقال : صاحب صلاة وخير ، فقيل : له تكلمه ؟ فنفض يده .
وقال : إنما أنكرت عليه كلامه في ذلك الرجل يعني بشر بن الحارث وقال : إنه قيل : من أم جعفر ، وهذا يدل على جواز ذلك لحق آدمي ; لأنه هجر الطوسي مع صلاحه لكلامه في بشر وذلك لحق آدمي .
قال : وإنما كره القاضي أحمد للأخبار في صلة الرحم ، وإنما أجازها في حق الله تعالى ، ومنعها في حق الغير على رواية هجرة الأقارب لحق نفسه المروذي في حق الأجنبي ; لأن حق الله عز وجل أضيق لأنه لا يدخله العفو [ ص: 239 ] وحق الآدمي أخف لأنه يدخله العفو ، ويبين هذا قول النبي : صلى الله عليه وسلم { } فدين الله عز وجل أحق أن يقضى .
وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق ، وهو ظاهر كلام في مواضع ، وهو الأولى والأخبار في صلة الرحم تخص بأدلة الهجر ، وحق الآدمي فيه حق الله تعالى ، وهو مبني على المساهلة والمسامحة بخلاف حق الآدمي . الإمام أحمد