ولو كان ذا جهل بسيط عذرته ولكنه يدلي بجهل مركب
( و ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( في سوى ) أي في غير الآمر ( الذي قيل ) عنه إنه ( فرض ) أي فرض عين وهو ما إذا كما قدمناه ( ب ) فرض ( الكفاية ) وهو ما إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، فالمقصود حصوله قصدا ذاتيا ، وقصد الفاعل فيه تبع لا ذاتي ، ففرض الكفاية واجب على الجميع كغسل الميت فإنه حق على الناس كالصلاة عليه ودفنه لا يسع عامتهم تركه ، وإذا قام به من فيه كفايته أجزأ عنهم ، وإذا فعله الجميع منهم كان فرضا في حق الجميع لعدم [ ص: 220 ] ما يقتضي تمييز بعضهم . وفرض العين أفضل من فرض الكفاية لأنه أهم ، ولذا وجب على الأعيان . وهذا المعتمد ، وقيل عكسه لكونه يسقط به الطلب عن نفسه وعن غيره ، والصحيح الأول . والجار والمجرور في قول كان عالما بالحظر والفعل آمنا ولم يقم غيره به الناظم بالكفاية متعلق بقوله ( فاحدد ) وهو فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر للقافية .والحد في اللغة المنع . وفي الاصطلاح الوصف المحيط بموصوفه المميز له عن غيره ، ولا بد من كونه مطردا وهو المانع كلما وجد الحد وجد المحدود منعكسا وهو الجامع كلما وجد المحدود وجد الحد ، وقد علم بما ذكرنا حد فرض الكفاية . فتحقق من كلام الناظم رحمه الله تعالى أن الأمر والنهي يدوران بين فرض الكفاية وفرض العين . فإن علم بالمحظور وعلم بفعله ولم يقم سواه بإزالته وأمن على نفسه فهو في حقه فرض عين . وإن علم أو أمن مع وجود من يقوم به سواه ففرض كفاية . وظاهر نظامه رحمه الله أنه لا يخرج عن ذلك وهو كذلك من حيث هو هو . نعم إذا كان في حالة لا يجب الأمر والنهي بأن خاف على نفسه أو ماله أو حرمته على ما قدمنا يكون فضيلة لا واجبا ، وقد قدمنا كلامهم في ذلك والله أعلم .
( تتمة ) في أحاديث وردت عن خير البشر ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، غير ما ذكرناه فيما مر ، وما سيأتي على الأثر .
أخرج الترمذي وقال حسن غريب عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { حذيفة } . والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم
وأخرج بسند رواته ثقات عن ابن ماجه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي سعيد الخدري } . لا يحقرن أحدكم نفسه . قالوا يا رسول الله وكيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال يرى أمر الله عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه ، فيقول الله عز وجل يوم القيامة ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول خشيت الناس ، فيقول فإياي كنت أحق أن تخشى
وأخرج أبو داود عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن مسعود بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه [ ص: 221 ] من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } إلى قوله { فاسقون } ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا } . ورواه إن أول ما دخل النقص على الترمذي وحسنه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بنو إسرائيل في المعاصي نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا ، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا } ورواه لما وقعت عن ابن ماجه أبي عبيدة مرسلا . قال الحافظ : ومعنى تأطروهم أي تعطفوهم وتقهروهم وتلزموهم باتباع الحق . انتهى وفي القاموس : الأطر عطف الشيء . وفي مطالع الأنوار المنذري : والأطر العطف ، ويقال منه أطرت الشيء آطره أطرا إذا عطفته . وفي الحديث { لابن قرقول } انتهى . فيأطره على الحق أطرا
وأخرج أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح عن سيدنا رضوان الله عليه قال { أبي بكر الصديق يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب } . ورواه يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية { ابن ماجه والنسائي في صحيحه ولفظ وابن حبان إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { النسائي } . وفي رواية إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب لأبي داود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ ص: 222 ] { } . ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب
وأخرج الإمام أحمد والترمذي واللفظ له في صحيحه عن وابن حبان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } . ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا ، ويأمر بالمعروف ، وينه عن المنكر
وقال رضي الله عنه { أبو هريرة كنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة وهو لا يعرفه فيقول له مالك إلي وما بيني وبينك معرفة ، فيقول كنت تراني على الخطأ أو على المنكر ولا تنهاني } ذكره الحافظ . قال ذكره المنذري رزين ولم أره ، والله تعالى الموفق . .