الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
وترك الدوا أولى وفعلك جائز ولم تتيقن فيه حرمة مفرد ( وترك الدوا ) وهو كما في القاموس مثلثة ما داويت به . وقال الحجاوي في لغة إقناعه : الدواء ما يداوى به مثلث الدال ممدود وفتحها أفصح ، والجمع أدوية ، وداويته مداواة ، والاسم الدواء والداء المرض وجمعه أدواء ( أولى ) أي أفضل من الدواء بمعنى التداوي ، نص عليه . قال في رواية المروذي : العلاج رخصة وتركه أعلى درجة منه . وكان يكون به يعني الإمام علل ولا يخبر الطبيب بها إذا سأله لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون } وفي رواية { الذين لا يرقون ولا يسترقون } وذكره بعضهم من رواية مسلم .

وقال عليه الصلاة والسلام { من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل } رواه الإمام أحمد وغيره ورواته ثقات وصححه الترمذي .

وفي حديث جيد { لم يتوكل من استرقى } وجزم في الإقناع والمنتهى وغيرهما بأن ترك الدواء أفضل وأنه لا يجب ولو ظن نفعه .

( وفعلك ) أيها المريض ونحوه للتداوي ( جائز ) أي مباح لا حرام ولا مكروه وقد روى ابن ماجه والترمذي وصححه عن خباب رضي الله عنه أنه قال وقد اكتوى في بطنه سبع كيات " ما أعلم أحدا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت وهذا والله أعلم قاله خباب رضي الله عنه تسلية للمؤمن المصاب لا على وجه الشكاية . فلولا المداواة جائزة لما اكتوى خباب رضي الله عنه .

وقيل فعل التداوي أفضل من تركه ، وبه قال بعض [ ص: 458 ] الشافعية . وذكر الإمام النووي في شرح مسلم أنه مذهب الشافعية وجمهور السلف وعامة الخلف ، وقطع به ابن الجوزي من أئمتنا في المنهاج والقاضي وابن عقيل وغيرهم ، واختاره الوزير بن هبيرة في الإفصاح . قال ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب . ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه ، فإنه قال لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه . وذكر ابن هبيرة أن علم الطب والحساب والفلاحة فرض كفاية .

وأجاب عن قوله صلى الله عليه وسلم { لا يكتوون ولا يسترقون } بأنهم كانوا في الجاهلية يسترقي الرجل بالكلمات الخبيثة فيوهمه الراقي في ذلك وفي الكي أنهما يمنعانه من المرض أبدا فذلك الذي منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال والحجامة سنة وهي أقوى دليل على فعل التداوي . وذكر أشياء كثيرة تدل على أن فعل التداوي أولى من تركه .

وقد { قال صلى الله عليه وسلم عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا ، قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال الهرم } رواه أبو داود والترمذي وصححه .

وفي مسند الإمام أحمد عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة الصديقة رضي الله عنها قالت { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه ، فكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه } .

وفي المسند أيضا عن أنس مرفوعا { إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا } .

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه ; لأنها أعظم بركة من يدي } وفي رواية فيهما { فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به } وفيهما { كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح منه بيده رجاء بركتها } وفيهما عنها رضي الله عنها { أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسترقي من العين } وفيهما عن أم سلمة رضي الله عنها { : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سفعة يعني صفرة ، فقال بها نظرة استرقوا لها } قوله " بها نظرة [ ص: 459 ] أي عين ، وقيل عين من نظرة الجن ، وقيل فعل التداوي واجب زاد بعضهم إن ظن نفعه .

قال شيخ الإسلام قدس الله روحه : ليس بواجب عند جماهير الأئمة إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد . انتهى . وأحاديث الأمر بالتداوي للإباحة والإرشاد دون الوجوب كما نبه عليه غير واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية