قال الشافعي رحمه الله : " ولما قال صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا وكانت هي والمطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها معا في عدة ، وكانتا غير ذواتي زوجين أشبه أن يكون على المطلقة إحداد كهو على المتوفى عنها والله أعلم فأحب ذلك لها ولا يبين أن أوجبه عليها ؛ لأنهما قد تختلفان في حال ، وإن اجتمعتا في غيره ولو لم يلزم القياس إلا باجتماع كل الوجوه بطل القياس ( قال المزني ) رحمه الله : وقد جعلهما في الكتاب القديم في ذلك سواء ، وقال فيه " .
قال الماوردي : أما فهو الامتناع والزينة من لباس وغير لباس إذا كان يبعث على شهوة الرجال لها ، وسمي إحدادا لما فيه من الامتناع كما سمي الحديد حديدا : لأنه يمتنع به وسمي حد الزنى : لأنه يمنع من معاودته فلا يجب الإحداد على غير معتدة . فأما المعتدات فثلاث ، معتدة يجب الإحداد عليها ، ومعتدة لا يجب الإحداد عليها ، ومعتدة مختلف في وجوب الإحداد عليها . فأما المعتدة التي يجب الإحداد عليها فالمتوفى عنها زوجها ويجب الإحداد عليها ، قال جميع الفقهاء إلا ما حكي عن الإحداد الحسن البصري والشعبي أن الإحداد غير واجب عليها لما روي أن لما أتاها نعش زوجها أسماء بنت عميس جعفر بن أبي طالب قال لها النبي صلى الله عليه وسلم تسلبي ثلاثا فدل على اقتصاره بناء على ثلاثة أيام أن ما عداها غير واجب . والدليل على وجوبه في العدة بأسرها ما رواه حميد بن نافع عن ، وهي بنت زينب بنت أبي سلمة قالت : أم سلمة أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب فيه صفرة خلوق فمست بعارضيها ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني [ ص: 274 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا . دخلت على
قالت زينب ، - رضي الله عنها - حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ، وقالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول على المنبر : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا زينب بنت جحش . قالت ودخلت على زينب : فسمعت أمي تقول : أم سلمة قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن بنتي توفي زوجها ، وقد اشتكت عينها فنكحلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ، ثم قال : إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول حميد ، قلت : لزينب ما ترمي بالبعرة ؟ فقالت زينب : كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى يمر بها سنة ، ثم تأتي بدابة أو حمار أو شاة أو طائر فقلما تقبض بشيء إلا مات يعني لطول أظفارها ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره ، وهذا الحديث ذكره الشافعي ، وأبو داود في المتوفى عنها ، وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث تدل كلها على وجوب ، وقد فسر الإحداد في عدة الوفاة الشافعي ما في هذا الحديث من الغريب فقال : " الحفش هو البيت الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره " . وقال الأزهري : " هو البيت الصغير السمك ، ومنه الحديث هلا جلس في حفش أمه وسمي حفشا لصغره . وأنه يجمعها ، ومنه قيل للمرأة حفشت زوجها إذا حللته بنفسها . وقيل للزوج الحفش ، وقولها : فتقبض في رواية الشافعي وهو القبض بالكف ، وروى غيره فتقتض القض من الذي هو الكسر ، لأن القبض الذي هو الأخذ بالكف يئول إلى القض الذي هو الكسر فعبر عنه بما يئول إليه ، وأما البعرة ففي إلقائها تأويلان : أحدهما : وهو تأويل الشافعي أنها تريد بإلقائها أنها قد ألقت حقوقه عنها بأدائها كإلقاء البعرة . والثاني : تعني بإلقائها أن ما مضى عليها من بؤس الحول هين في وجوب حقه كهوان البعرة ، وأما قوله لأسماء : تسلبي ثلاثا فهو محمول إن صح على أنه كرر القول عليها تسلبي ثلاث مرات تأكيدا لأمره ، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك كثيرا وفي معنى تسلبي تأويلان : [ ص: 275 ] أحدهما : نزع الحلي والزينة ، حكاه ابن أبي هريرة . والثاني : لبس الثياب السود ، وهي تسمى السلاب ، ومنه قول الشاعر :
يخمشن حر أوجه صحاح في السلب السود وفي الأمساح