الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 68 ] مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : ورمى العجلاني امرأته بابن عمه أو بابن عمها شريك بن السحماء وذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رآه عليها ، وقال في الطلاق من أحكام القرآن : فالتعن ولم يحضر - صلى الله عليه وسلم - المرمي بالمرأة فاستدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن على الزوج للذي قذفه بامرأته حد ولو كان له لأخذه له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولبعث إلى المرمي فسأله ، فإن أقر حد ، وإن أنكر حد له الزوج . وقال في الإملاء على مسائل مالك : وسأل ، النبي - صلى الله عليه وسلم - شريكا فأنكر فلم يحلفه ولم يحده بالتعان غيره ولم يحد العجلاني القاذف له باسمه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما رواية المزني هاهنا عن الشافعي : قال : رمى العجلاني امرأته بشريك بن السحماء ، فقد قال أبو حامد الإسفراييني : إن المزني غلط على الشافعي في هذا النقل وإن هلال بن أمية هو الذي قذف زوجته بشريك بن السحماء دون العجلاني ، وقد حكاه الشافعي في " أحكام القرآن " عن هلال بن أمية ، والمقصود بهذه الجملة شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الزوج إذا لاعن سقط عنه حد المقذوف بزوجته سواء سماه في لعانه أو لم يسمه ، لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن السحماء ، ولم يسمه في لعانه فلم يحده له ، ولو وجب الحد عليه لأعلم شريكا به ليستوفيه إن شاء ، وهذا أحد القولين إذا لم يذكره في التعانه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يحد ، ووجهه ما قدمناه وليس في ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعلام شريك دليل على سقوط الحد ، لأن شريكا قد علم بالحال فأمسك ولم يطالب ، ولأن المدينة مع صغرها وقلة أهلها ، واشتهار لعان هلال بن أمية في قذفه بمحضر من جمهور الصحابة ، ولا يخفى على شريك وهو حاضر بالمدينة أنه مقصود بالقذف ، فإذا علم وأمسك لم يلزمه إعلامه ، ولا استيفاء الحد له .

                                                                                                                                            فصل : أما المقصود الثاني بهذه الجملة ، فهو ما ظهر من اختلاف النقل فيها ، لأن الشافعي قال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن : ولم يحضر رسول الله المرمي بالمرأة .

                                                                                                                                            وقال في الإملاء على مسائل مالك : وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - شريكا فأنكر ، فصار ظاهر هذا النقل مختلفا ؛ لأنه حكى أن شريكا لم يحضر ثم إنه حضر وسئل ، وإثبات الشيء ونفيه متناف مستحيل .

                                                                                                                                            وعن هذا جوابان :

                                                                                                                                            [ ص: 69 ] أحدهما : أنه ليس في هذا النقل خلاف مستحيل ، لأن قوله : لم يحضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكا - يعني وقت اللعان .

                                                                                                                                            وقوله : وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكا ، يعني وقت وضع الولد على شبهه لقوة الشبهة في صحة قذفه فلم يمتنع ذلك ولم يستحل .

                                                                                                                                            والجواب الثاني : أن الشافعي أخذ عن الواقدي أو من كتابه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحضر شريكا ولا سأله . فذكره الشافعي في " أحكام القرآن " وفرع عليه ، ثم سمع من غير الواقدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحضر شريكا ، أو حضر فسأله فأنكر فذكره في الإملاء على مسائل مالك وفرع عليه . ولم يرجع عما أخذه عن الواقدي إما لأنه لم يقطع بصحة أحد النقلين ، وإما لأن يبين حكم كل واحد من النقلين ، وإما لسهوه عن الأول لتشاغله بالمستقبل فكان هذا سبب ما اختلف فيه نقله والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية