الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت " . قال الماوردي : أما الأدم فمن المعروف المألوف ، لأن الطعام لا ينساغ أكله في الأغلب إلا به ، فأوجبناه لها عرفا ، وإذا كان أدمها مستحقا فقد جعله الشافعي دهنا ، وهذا خارج منه على عرف البلاد التي يتأدم أهلها بالدهن ، ومن البلاد ما يتأدم أهلها باللحم فيكون أدمها لحما ، ومنها ما يتأدم أهلها بالسمك فيكون أدمها سمكا ، ومنها ما يتأدم أهلها باللبن فيكون أدمها لبنا ، ونحن نصف ما ذكره الشافعي من إدام الدهن ، ويكون ما عداه بقياسه ؛ فالبلاد التي يتأدم أهلها بالدهن يختلف جنسه باختلاف عرف البلاد . فإدام أهل الحجاز السمن ، وإدام أهل الشام الزيت ، وإدام أهل العراق الشيرج ، فيعتبر جنسه بعرف البلد من سمن أو زيت أو شيرج ، فأما مقداره فمعتبر بالعرف المستعمل . فيقال كم يكفي إدام كل مد طعام من الدهن . فإذا قيل كل مد يكتفى في إدامه بأوقية من دهن جعلت ذلك قدرا مستحقا في إدام ، فإن كان موسرا تجب عليه في نفقتها مدان من حب وجبت عليه لإدامها أوقيتان من دهن ، وإن كان متوسطا تجب عليه مد ونصف ، وجب لإدامها أوقية ونصف ، وإن كان مقترا وجب عليه مد وجب لإدامه أوقية ، وكذلك إدام خادمها تعتبر بقوته من الحب . فإن كان له مد وثلث من الحب ، كان له أوقية وثلث من الدهن ، وإن كان له مد من الحب كان له أوقية من الدهن ، ثم [ ص: 428 ] يراعى بعد الدهن حالهم فيما عداه ، فإن كان لهم باللحم عادة اعتبرتها فيهم ، فإن كانوا يأكلون اللحم في كل أسبوع مرة ، أوجبته لها في كل أسبوع مرة واحدة ، والأولى أن يكون في يوم الجمعة ، لأنه عرف من لا يأكل اللحم إلا مرة ، وإن كانوا يأكلونه في كل أسبوع مرتين أوجبته لها مرتين : إحداهما في يوم الجمعة ، والأخرى في يوم الثلاثاء ؛ لأنه عرف من يأكله مرتين ، وعلى هذا العبرة في العرف المعتبر فيه ، فأما مقدار اللحم الذي تستحقه فقد قدره الشافعي برطل واحد في اليوم الذي تستحقه فيه ، وليس هذا المقدار عاما في جميع الناس ، وإنما اعتبر الشافعي عرف بلاده بالحجاز ومصر ، وأما في البلاد التي جرت عادة أهلها أن يتأدم الواحد منهم في اليوم بأكثر من رطل من اللحم فقدره معتبر بعرفهم في الزيادة والنقصان . فإن قيل فلم جعلتم الحب مقدرا لا يعتبر بالعرف وجعلتم الدهن واللحم معتبرا بالعرف ؟ قيل : لأن الحب يقدر بالشرع لسقوط اعتبار العرف فيه والأدم لم يتقدر إلا بالعرف فوجب اعتباره فيه ، وما اعتبرناه من عرف الأزواج في إدامها اعتبرنا عرف الخدم في إدام خادمها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية