الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولا يكفل رجل في حد ولا لعان ولا [ ص: 129 ] يحبس بواحد . ( قال المزني ) - رحمه الله - : هذا دليل على إثباته كفالة الوجه في غير الحد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وللكفالة بالنفس حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : في حقوق الله عز وجل .

                                                                                                                                            والثاني : في حقوق الآدميين ، فأما في حقوق الله - سبحانه وتعالى - فلا يصح ؛ لأنها إن كانت في حدود فهي موضوعة على الإدراء والتسهيل ، وإن كانت في أموال فهي موكولة إلى أمانته إن تعلقت بذمته أو زكاة تؤخذ من عين ما بيده ، - أما حقوق الآدميين فضربان : أموال ، وحدود .

                                                                                                                                            فأما الأموال فالذي نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - في أكثر كتبه أن الكفالة بالنفس فيها جائزة وقال في كتاب الدعاوى والبينات : غير أن كفالة الأبدان عندي ضعيفة .

                                                                                                                                            فاختلف أصحابنا في مراد الشافعي - رضي الله عنه - بتضعيفها ، فمنهم من حمله على إبطالها وخرج كفالة النفس على قولين ، ومنهم من حمله على ضعفها في القياس ؛ لأنه ضمان عين بعقد لكن جاز للضرورة الداعية إليه ، وكما خالف ضمان الدرك مع مخالفة الأصول ، وأما الحدود كالقصاص وحد القذف ، فقد اختلف فيه أصحابنا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه كحدود الله تعالى التي لا تجوز الكفالة فيها ؛ لأنه لما لم يجز فيها ضمان ما في الذمة لم تجز فيه الكفالة بذي الذمة ، وبهذا المعنى فارق الكفالة في المال .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : من مذاهب أصحابنا : أنها كالأموال في جواز الكفالة فيها بالنفس على ما قدمنا من الشرح ؛ لأن جميعها من حقوق الآدميين التي يباشر فيها من هي عليه ويستوثق فيها لمن هي له ، وليس على الكفيل بالنفس المطالبة بالحق الذي في الذمة ، فاستوى فيها ما يجوز ضمانه وما لا يجوز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية