الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " فإن ماتت قبل أن تعفو عنه فطلبه وليها ، كان عليه أن يلتعن أو يحد للحرة البالغة ويعزر لغيرها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما حد القذف فهو من حقوق الآدميين الموروثة ، وقال أبو حنيفة : هو من حقوق الله التي تسقط بالموت ولا تورث استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه حد لا يرجع إلى مالك فأشبه حد الزنا : ولأن حد الزنا والقذف متقابلان لتنافي اجتماعهما في القاذف والمقذوف ، ثم كان حد الزنا من حقوق الله تعالى التي لا تورث فكذلك حد القذف .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أنه حق على البدن إذا ثبت باعترافه لم يسقط برجوعه فوجب أن [ ص: 27 ] يكون من حقوق الآدميين الموروثة كالقصاص ؛ ولأنه حق لا يستوفيه الإمام إلا بالمطالبة فوجب أن يكون موروثا كالأموال ، ولأنه لو قذفت أمة بعد موتها وجب له الحد على قاذفها ، وقذفها في الحياة أغلظ فكان بأن يستحق بعد الموت أجدر .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلاله بأنه لا يرجع إلى مال ، فهو أن الحقوق تتنوع فتكون تارة في مال ، وتارة على بدن ، ولو اختص الآدميين بالمال دون البدن لاختص حق الله تعالى بالبدن دون المال ، وحقوق الله تعالى تجمع الأموال والأبدان ، فكذلك حقوق الآدميين ، وإن كان الكلام معه في أنه من حقوق الآدميين قد مضى .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قوله : إنه في مقابلة الزنا لتنافي اجتماعهما ، فهو أن تنافي اجتماعهما يوجب تنافي حكمهما ولا يوجب تساويه ، وعلى أن أبا حنيفة قد ناقض في الجمع بينهما حيث أسقط حد الزنا بموت الزاني ، وأسقط القذف بموت المقذوف ، وحقوق الله تعالى تسقط بموت من وجبت عليه ولا تسقط بموت غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية