الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في المدة التي يؤجل فيها الزوج للإعسار ] . مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن لم يجد لم يؤجل أكثر من ثلاث " . قال الماوردي : لا يخلو حال من أعوزته النفقة من ثمانية أقسام : أحدها : أن يكون لشروعه في عمل لم يستكمله ويقدر بعد استكماله على النفقة كالنساج الذي ينسج في كل أسبوع ثوبا فإذا نسجه كانت أجرته نفقة أسبوعه فلا خيار لزوجة هذا : لأنه في حكم الواجد لنفقتها ، وإن تأخرت ، وينفق من الاستدانة لإمكان القضاء . والقسم الثاني : أن يكون لتعذر العمل ؛ كالصناع بأبدانهم من نجار وبناء وحمال إذا عمل في يومه كسب قدر نفقته فيعذر عليه من يستعمله في صنعته ، فينظر ؛ فإن كان تعذره عليه نادرا لم يكن لزوجته خيار ، وإن كان غالبا فلها الخيار . والقسم الثالث : أن يكون لعجز عن التصرف كالصانع إذا مرض فلم يقدر على العمل ، فينظر في مرضه ، فإن كان مرجو الزوال بعد يوم أو يومين فلا خيار لها ، وإن كان بعيد الزوال فلها الخيار . والقسم الرابع : أن يكون لدين له على غريم لا يملك سواه وقد ألظ به الغريم ومطله فينظر في الغريم ؛ فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يكون معسرا فالدين عليه تائه ومالكه معدم ، فيكون لزوجته الخيار . والحال الثانية : أن يكون على موسر حاضر ، فمالك الدين موسر به ولا خيار لزوجته ويحبس الغريم حتى يؤدي دينه ، وتكون الزوجة في حكم من زوجها موسر وقد منعها النفقة فيسقط الخيار ويحبس زوجها على نفقتها ، ذلك هاهنا يسقط الخيار ويحبس الغريم دون الزوج . [ ص: 459 ] والحال الثالثة : أن يكون الدين على موسر غائب ففي خيارها وجهان من اختلاف أصحابنا في زوجة الموسر الغائب . والقسم الخامس : أن يكون له مال هو غائب عنه ينتظر قدومه عليه لينفق منه ، فينظر في غيبة المال ؛ فإن كان على مسافة قريبة لا تقصر في مثلها الصلاة فلا خيار لها : لأن ماله في حكم الحاضر ويؤخذ بتعجيل نقله ، وإن كان بعيد المسافة على أكثر من يوم وليلة فهو في حكم التائه ومالكه كالمعدم فيكون لها الخيار . والقسم السادس : أن يكون مالكا لمال حاضر قد استحق عليه في ديونه فلا خيار لها قبل قضاء الديون ؛ أنه له أن ينفق منه قبل قضاء الديون ، والمستحق في قضائه ما فضل عن قوت يومه وليلته ، فإذا قضى دينه صار بعد يومه معسرا . والقسم السابع : أن يعجز عن حلال الكسب ويقدر على محظوره . فهذا على ضربين : أحدهما : أن تكون أعيانا محرمة كأموال السرقة والتطفيف وأثمان الخمور والخنازير ، فالواجد لها كالعادم لحظر تصرفه فيه فيكون لزوجته الخيار بالإعسار . والضرب الثاني : أن يكون الفعل الموصل إليه محظورا كصناع الملاهي المحظورة لأنه مستعمل في محظور لا يستحق به ما سمي له من الأجرة ، ولا بد أن يستحق لتفويت عمله أجرا فيصير به موسرا ، ولا يكون لزوجته خيار ، وكذلك كسب المنجم والكاهن قد يتوصل إليه بسبب محظور لكنه قد أعطي عنه عن طيب نفس المعطي فأجري مجرى الهبة ، وإن كان محظور السبب ، فساغ له إنفاقه وخرج به من حكم المعسرين وسقط به خيار زوجته . والقسم الثامن : أن يكون عجزه عن النفقة لعدم لا يقدر على النفقة من ملك ولا كسب ، فهذا هو المعسر على الإطلاق وهو الذي تستحق زوجته الخيار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية