مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا طهرت منها فهو الاستبراء . قال والاستبراء أن تمكث عند المشتري طاهرا بعد ملكها ، ثم تحيض حيضة معروفة الماوردي : وهذا صحيح ، إذا ثبت أن استبراء الأمة واجب ، فملك الرجل أمة بالابتياع ، فمذهب الشافعي ، وأبي حنيفة : أن الاستبراء واجب على المشتري دون البائع ، ويستحب لو استبرأها البائع وإن لم تجب عليه . وقال عثمان البتي : الاستبراء واجب على البائع دون المشتري ، ويستحب أن يستبرئها المشتري . وقال إبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري : الاستبراء واجب على البائع وعلى المشتري . وقال مالك : الاستبراء واجب على المواضعة بعد رفع يد البائع ، وقبل دخول يد المشتري . فأما عثمان البتي فاستدل بأنه لما لزم استبراء الحرة قبل عقد النكاح عليها لزم استبراء الأمة أن يكون قبل ابتياع المشتري لها . وأما النخعي ، والثوري ، فإنهما استدلا بأنها تستبرئ نفسها من ماء البائع لتقدم إصابته ، ومن ماء المشتري لمستحدث إصابته فوجب أن تستبرئ نفسها في ملك البائع لحفظ مائه ، وفي ملك المشتري لحفظ مائه . وأما مالك فإنه استدل بأن استبراءها على المواضعة تنوب عن الحقين ، وفي يد أحدهما تنوب عن حقه فكان استيفاء الحقين بالمواضعة أولى من استيفاء أحدهما بالانفراد . ودليلنا على جماعتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : فبطل به قول ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض عثمان البتي ؛ لأنه جعل الحيض مبيحا للوطء ولو كان في يد البائع لكان مانعا من الوطء ، وإنما يبيحه إذا كان في ملك المشتري وبطل به قول سفيان ، وإبراهيم ؛ لأنه أباحها بعد حيضة واحدة ، وعلى قولهما بعد حيضتين ، وبطل به قول مالك ؛ لأنه قال ذلك بعد حصول السبي في ملك الغانمين ، وفي أيديهم ، ولأنه [ ص: 345 ] استبراء عن إصابة ، فإن احتججت به على البتي قلت : فوجب أن يكون بعد زوال الإباحة كالزوجية ، وإن احتججت به على الثوري والنخعي ، قلت : فوجب أن لا يلزم فيه إلا استبراء واحد كالزوجية ، وإن احتججت به على مالك ، قلت : فوجب أن لا يلزم فيه المواضعة كالزوجة . فأما استدلال البتي بالنكاح فالفرق بينه وبين الابتياع وإن كانا بعد زوال الملك من ثلاثة أوجه : أحدها : أن ملك المطلق يزول عن الزوجة إلى غير مالك ، فأمكن تقديم استبرائها على عقد الثاني ، وملك البائع يزول بملك المشتري فلم يمكن تقديم استبرائها على ملك المشتري . والثاني : أن تحريم المنكوحة يمنع من جواز نكاحها ، فلذلك قدم استبراؤها عليه وتحريم الأمة لا يمنع من جواز بيعها ، فجاز تقديمه قبل استبرائها . والثالث : أن المنكوحة تصير فراشا بالعقد فمنع بقاء الاستبراء من صحته ولا تصير الأمة فراشا بالبيع فلم يمنع بقاء الاستبراء من صحته . وأما الثوري ، والنخعي فخالفا موضع الاستبراء ؛ لأنه لا يكون إلا واحدا يتميز له حفظ ما في الرحم على مستحقه وهو لا يستحقه إلا واحد ؛ فلذلك وجب استبراء واحد ، ولو وجب استبراءان لجاز أن يكون لاحقا باثنين ، وهذا مدفوع . وأما مالك فإنه فرق في استبراء الأمة بين القبيحة والمليحة فأوجب المواضعة في المليحة ، ولم يوجبه في القبيحة ، وحكم الاستبراء لا يفترق في القبائح ، والملاح ، ثم يقال له قد منعت به المشتري من قبض ما هو مستحق لقبضه من ملكه بعد قبض ثمنه : وفوت عليه الانتفاع ، وليس منعه من الاستمتاع يدل على منعه من الانتفاع ، وقد يتلف في المواضعة فمن مال أيهما يتلف ، فإن قال من مال البائع ، وهو مذهبه ، قيل : قد أقبض ما باع فلم جعلته تالفا من ماله بعد إقباضه ، فدل ذلك على فساد ما ذهب إليه .