فصل
فيما إذا انبنت على يد الغاصب يد أخرى
قد سبق معظم مسائله في كتاب الرهن ، وحاصله : أن ، فيتخير المالك عند التلف بين مطالبة الغاصب ومن ترتبت يده على يده ، سواء علم المغصوب أم لا ، لأنه أثبت يده على مال غيره بغير إذنه ، فالجهل ليس مسقطا للضمان . ثم الثاني ، إن علم الغصب ، فهو غاصب من الغاصب ، فيطالب بكل ما يطالب به الغاصب ، وإن تلف المغصوب في يده ، فقرار الضمان عليه . فإذا غرم ، لا يرجع على الأول ، وإذا غرم الأول رجع عليه ، هذا إذا لم تختلف قيمته في يدهما ، أو كانت في يد الثاني أكثر ، فلو كانت في يد الأول أكثر ، لم يطالب بالزيادة إلا الأول ، وتستقر عليه . أما إذا جهل الثاني الغصب ، فإن كانت اليد في وضعها يد ضمان كالعارية ، استقر الضمان على الثاني . وإن كانت يد أمانة كالوديعة استقر على الغاصب على المذهب . وفي وجه : يستقر على المودع وفي وجه : لا يطالب المودع أصلا ، وقد سبق بيان هذا الفصل في أواخر الباب الثالث من كتاب الرهن بزيادة على هذا ، والقرض معدود من أيدي الضمان . ولو وهب المغصوب ، فهل القرار على الغاصب لأنها ليست يد ضمان ، أم على المتهب لأنه أخذه للتملك ؟ قولان . أظهرهما : الثاني . [ ص: 10 ] كل يد ترتبت على يد الغاصب ، فهي يد ضمان
ولو ، فالمذهب : أنه لا يطالب الزوج بقيمتها قطعا . وقيل : كالمودع . زوج المغصوبة فتلفت عند الزوج
فرع
إذا ، نظر ، إن استقل بالإتلاف فقرار الضمان عليه . وإن حمله الغاصب عليه بأن غصب طعاما فقدمه إليه ضيافة فأكله فالقرار على الأكل إن كان عالما ، وكذا إن كان جاهلا على الأظهر المشهور في الجديد . فعلى هذا ، إن ضمنه ، لم يرجع على الغاصب ، وإن ضمن الغاصب رجع عليه . وعلى القول الآخر بالعكس ، هذا إذا قدمه إليه وسكت . فإن قال : هو ملكي ، فإن ضمن الأكل ففي رجوعه على الغاصب القولان . وإن ضمن الغاصب فالمذهب : أنه لا يرجع قطعا ، لأنه معترف بأنه مظلوم ، فلا يرجع على غير ظالمه . وقال أتلف القابض من الغاصب المزني : يرجع عليه ، وغلطه الأصحاب . ولو وهب المغصوب فأتلفه المتهب ، فالقولان ، وأولى بالاستقرار على المتهب .
فرع
لو ، فإن جعلنا القرار على الحر الآكل ، فهذه جناية من العبد يباع فيها ، وإلا فلا يباع ، وإنما يطالب الغاصب كما لو قدم شعيرا مغصوبا إلى بهيمة بغير إذن مالكها . قدم الطعام المغصوب إلى عبد إنسان فأكله
فرع
، فقرار ضمان النقص على الغاصب ، [ ص: 11 ] ولا يخرج على القولين في آكل الطعام ، لأنه ذبح الغاصب ، وهناك انتفع بأكله . غصب شاة وأمر قصابا بذبحها جاهلا بالحال
فرع
لو ونحوهما ، ففعله جاهلا بالغصب ، فالمذهب : القطع بالاستقرار على المتلف ، لأنه حرام ، بخلاف الآكل ، ولا أثر للتغرير مع التحريم ، وقيل على القولين . أمر الغاصب رجلا بإتلاف المغصوب بالقتل والإحراق
فرع
، فإن قلنا في التقديم إلى الأجنبي : القرار على الغاصب ، لم يبرأ من الضمان . وإلا فيبرأ ، وربما نصر العراقيون الأول . ونقل الإمام عن الأصحاب أن البراءة هنا أولى من الاستقرار على الآكل . ولو أودعه للمالك ، أو رهنه عنده ، أو أجره إياه جاهلا بالحال ، فتلف عنده ، لم يبرأ من الضمان على المذهب ، وقيل بالقولين . ولو باعه للمالك ، أو أقرضه ، أو أعاره فتلفت عنده ، برئ الغاصب . ولو دخل المالك دار الغاصب ، فأكل طعاما يظنه للغاصب فكان هو المغصوب ، برئ الغاصب ، ولو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله المالك للدفع ، لم يبرأ الغاصب ، سواء علم أنه عبده أم لا ، لأن الإتلاف بهذه الجهة كإتلاف العبد نفسه ، ولهذا لو كان العبد لغيره لم يضمنه . وفي وجه : يبرأ عند العلم ، لإتلافه مال نفسه لمصلحته ، وهو ضعيف . قدم المغصوب إلى مالكه ، فأكله جاهلا بالحال
فرع
، فهو كما لو أودعها عنده فتلفت ، [ ص: 12 ] فلو استولدها ، نفذ الاستيلاد وبرئ الغاصب على المذهب . ولو قال الغاصب للمالك : أعتق هذا ، فأعتقه جاهلا ، نفذ العتق على الأصح ، لأنه لا يبطل بالجهل ، فعلى هذا يبرأ الغاصب على الأصح ، لعود مصلحة العتق إليه . وعلى الثاني : لا يبرأ ، فيطالبه بقيمته . ولو قال : أعتقه عني ، ففعل جاهلا ، ففي نفوذ العتق وجهان ، إن نفذ ففي وقوعه عن الغاصب وجهان . الصحيح : المنع . ولو قال المالك للغاصب : أعتقه عني ، أو مطلقا فأعتقه ، عتق وبرئ الغاصب . زوج المغصوبة بمالكها جاهلا ، فتلفت عنده