الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        ادعى نسب اللقيط اثنان ، ففيه صور . إحداها : ادعاه حر وعبد ، فإن قلنا : يصح استلحاق العبد ، فهما سواء ، وإلا ، فيلحق بالحر .

                                                                                                                                                                        الثانية : ادعاه مسلم وكافر ، يستويان فيه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 439 ] الثالثة : اختص أحدهما بيد ، نظر ، إن كان صاحب اليد هو الملتقط ، لم يقدم ، لأن اليد لا تدل على النسب ، بل إن استلحقاه معا ولا بينة ، عرض معهما على القافة كما سنذكره - إن شاء الله تعالى - . وإن استلحقه الملتقط أولا ، حكمنا بالنسب ، ثم ادعاه الآخر ، قال الشافعي - رضي الله عنه - : يعرض الولد مع الثاني على القائف ، فإن نفاه عنه ، بقي لاحقا بالملتقط باستلحاقه . وإن ألحقه بالثاني ، عرض مع الملتقط عليه ، فإن نفاه عنه ، فهو للثاني ، وإن ألحقه به أيضا ، فقد تعذر العمل بقول القائف فيوقف . وإن كان صاحب اليد غير الملتقط ، فإن كان استلحقه وحكم [ له ] بالنسب ، ثم جاء آخر وادعى نسبه ، لم يلتفت إليه . وإن لم يسمع استلحاقه إلا بعدما جاء الثاني واستلحقه ، فهل يقدم صاحب اليد ، أم يستويان ؟ وجهان . أصحهما : الثاني .

                                                                                                                                                                        الرابعة : تساويا ولا بينة ، عرض الولد على القائف ، فبأيهما ألحقه لحق . فإن لم يوجد قائف ، أو تحير ، أو ألحقه بهما ، أو نفاه عنهما ، ترك حتى يبلغ ، فإذا بلغ ، أمر بالانتساب إلى أحدهما ، ولا ينسب بالتشهي ، بل يعول فيه على ميل الطبع الذي يجده الولد إلى الوالد ، والقريب إلى القريب بحكم الجبلة . وقيل : لا يشترط البلوغ ، بل يخير إذا بلغ سن التمييز كالتخيير بين الأبوين في الحضانة . والصحيح اشتراطه . والفرق أن الاختيار في الحضانة لا يلزم ، بل له الرجوع ، وهنا يلزم ، وعليهما النفقة مدة الانتظار . فإذا انتسب إلى أحدهما ، رجع الآخر عليه بما أنفق . ولو لم ينتسب إلى واحد منهما ، لفقد الميل ، بقي الأمر موقوفا . ولو انتسب إلى غيرهما وادعاه ذلك الغير ، ثبت نسبه منه . وفيه وجه : أنه إن كان الرجوع إلى انتسابه بسبب إلحاق القائف بهما جميعا ، لم يقبل انتسابه إلى غيرهما . والصحيح الأول . وإذا انتسب إلى أحدهما لفقد القائف ، ثم وجد ، عرضناه عليه . فإن ألحقه بالثاني ، قدمنا قوله على الانتساب ، لأنه حجة أو حكم . وقال أبو إسحاق : يقدم الانتساب . [ ص: 440 ] قال : وعلى هذا ، فمتى ألحقه القائف بأحدهما ، فللآخر أن ينازعه ، ويقول : يترك حتى يبلغ فينتسب . ولو ألحقه القائف بأحدهما ، وأقام الآخر بينة ، قدمت البينة ، لأنها حجة في كل خصومة ، وقيل : لا يغير ما حكمنا به ، ولا يعمل بالبينة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ادعت امرأتان نسب لقيط ، أو مجهول غيره ، ولا بينة ، وقبلنا استلحاق المرأة ، ففي عرض الولد معهما على القائف وجهان أحدهما : المنع . والأصح المنصوص : العرض ، لأنه حكم ، أو حجة ، فأشبه البينة ، فإذا ألحقه بإحداهما وهي ذات زوج ، لحق زوجها أيضا كما قامت البينة . وقيل : لا يلحقه ، وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                        الخامسة : أقام كل واحد بينة بنسبه ، وتعارضتا ، ففي التعارض في الأموال قولان . أظهرهما : التساقط . فعلى هذا تسقطان أيضا هنا على الصحيح ، ويرجع إلى قول القائف . وقيل : لا تسقطان وترجح إحداهما بقول القائف ، ولا يختلف المقصود على الوجهين . والقول الثاني : تستعملان بالوقف ، أو القسمة ، أو القرعة ؟ فيه ثلاثة أقوال معروفة ، ولا يجيء هنا الوقف للإضرار بالطفل ولا القسمة ، فلا مجال لها في النسب ، ولا تجيء القرعة أيضا على الأصح ، وقول الأكثرين ، لأنها لا تدخل النسب ، وأثبتها الشيخ أبو حامد . ولو اختص أحدهما باليد ، لم ترجح بينته بها . وفي " الإفصاح " للمسعودي ، و " أمالي " أبي الفرج الزاز : أنه لو أقام أحدهما بينة بأنه في يده من سنة ، والثاني بينة أنه في يده من شهر ، وتنازعا في نسبه ، فصاحب السنة مقدم ، لكن هذا كلام غير مهذب ، فإن ثبوت اليد لا يقتضي ثبوت النسب . وإن فرض تعرض البينتين لنفس النسب ، فلا مجال للتقدم والتأخر فيه . وإن شهدتا على الاستلحاق ، فيبنى على أن الاستلحاق من شخص هل يمنع غيره من الاستلحاق بعد ؟ وقد سبق بيانه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 441 ] فرع

                                                                                                                                                                        ادعاه امرأتان ، وأقامتا بينتين ، قال الشافعي - رضي الله عنه - : أريته القائف معهما ، فبأيتهما ألحقه لحقها ، ولحق زوجها . فمن الأصحاب من قال : هذا تفريع على قول الاستعمال ، وترجيح بقول القائف ، كما يرجح في الأملاك بالقرعة ، وهذا يوافق ما سبق عن الشيخ أبي حامد . وعلى هذا ، يلحق الزوج قطعا ، لأن الحكم بالبينة . ومنهم من قال : هذا جواب على قول التساقط ، وكأنه لا بينة ، فيرجع إلى القائف . وعلى هذا ، ففي لحوقه بالزوج الخلاف السابق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ألحقه القائف بأحدهما ، ثم بالآخر ، لم ينقل إليه ، إذ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        وصف أحد المتداعيين أثر جراحة ، أو نحوه ، أو بظهره ، أو بعض أعضائه الباطنة ، وأصاب ، لا يقدم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية