الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا باع في مرض موته شقصا ، وحابى ، فقد يكون الشفيع والمشتري أجنبيين ، أو وارثين ، وقد يكون المشتري وارثا فقط ، أو عكسه ، فهذه أربعة أضرب .

                                                                                                                                                                        الأول : إذا كانا أجنبيين ، فإن احتمل الثلث المحاباة ، صح البيع ، وأخذ الشقص بالشفعة . وإن لم يحتمله ، بأن باع شقصا يساوي ألفين بألف ، ولا مال له غيره ، نظر ، إن رده الوارث ، بطل البيع في قدر المحاباة . وفي صحته في الباقي طريقان . أحدهما : فيه قولا تفريق الصفقة . والثاني : القطع بالصحة . وإذا قلنا بالصحة ، ففيما يصح فيه البيع ؟ قولان . أحدهما : يصح في قدر الثلث ، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يسقط شيء من المبيع إلا ويسقط ما يقابله من [ ص: 81 ] الثمن . وقد سبق بيان الأظهر من القولين في باب تفريق الصفقة . فإن قلنا بالقول الأول ، صح البيع في الصورة المذكورة في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن . وإن قلنا بالثاني ، دارت المسألة . وحسابها أن يقال : يصح البيع في شيء من الشقص بنصف شيء ، يبقى مع الورثة ألفان إلا نصف شيء ، وذلك يعدل مثلي المحاباة ، وهي نصف شيء ، فمثلاها شيء ، فنجبر ونقابل ، فيكون ألفان معادلين لشيء ونصف ، والشيء من شيء ونصف ثلثاه ، فعلمنا أن البيع صح في ثلثي الشقص ، وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث بثلثي الثمن ، وهو نصف هذا المبلغ ، فتكون المحاباة ستمائة وستة وستين وثلثين ، يبقى للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن ، وهما ألف وثلاثمائة وثلاثون وثلث ، وذلك ضعف وثلاثة المحاباة . وعلى القولين جميعا ، للمشتري الخيار ، لأن جميع المبيع لم يسلم له . فإن أجاز أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على القول الأول وثلثيه بثلث الثمن على الثاني . وإن أراد أن يفسخ ، وطلب الشفيع ، فأيهما يجاب ؟ فيه الخلاف السابق في الرد بالعيب ، وكذا لو فسخ قبل طلب الشفيع ، هل تبطل الشفعة ، أم للشفيع رد الفسخ ؟ فيه ما سبق من الخلاف . وإن أجاز الورثة ، صح البيع في الكل . ثم إن قلنا : إن إجازتهم تنفيذ لما فعل الميت أخذ الشفيع الكل بكل الثمن . وإن قلنا : إنها ابتداء عطية منهم ، لم يأخذ القدر المنفذ بإجازتهم ، ويأخذ المستغني عن إجازتهم ، وفيه القولان المذكوران عند الرد .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني والثالث : : أن يكونا وارثين ، أو المشتري وارثا ، فيكون هذا البيع محاباة مع الوارث ، وهي مردودة . فإن لم نفرق الصفقة ، بطل البيع في الكل ، وإن فرقناها ، فإن قلنا في الضرب الأول - والتصوير كما سبق - : إن البيع يصح في [ ص: 82 ] خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن ، فهنا في مثل تلك الصورة يصح البيع في نصفه بجميع الثمن ، وإن قلنا هناك : يصح في ثلثيه بثلثي الثمن ، فهنا يبطل البيع في الكل ، كذا ذكره القفال وغيره ، وفيه نظر . وينبغي أن يفرق بين الإجازة والرد ، كالضرب الأول .

                                                                                                                                                                        الضرب الرابع : أن يكون الشفيع وارثا دون المشتري . فإن احتمل الثلث المحاباة ، أو لم يحتمل ، وصححنا البيع في بعض المحاباة في الضرب الأول ، ومكنا الشفيع من أخذه ، فهنا أوجه . أصحها عند الجمهور : يصح البيع ويأخذه الوارث بالشفعة ، لأن المحاباة مع المشتري لا مع الوارث . والثاني : يصح ولا يأخذه الوارث بالشفعة . والثالث : لا يصح البيع أصلا لتناقض الأحكام . والرابع : يصح في الجميع ويأخذ الشفيع ما يقابل الثمن ، ويبقى الباقي للمشتري مجانا . والخامس : لا يصح البيع إلا في القدر المقابل للثمن .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية