الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذكر ]

                                                          ذكر : الذكر : الحفظ للشيء تذكره . والذكر أيضا : الشيء يجري على اللسان . والذكر : جري الشيء على لسانك ، وقد تقدم أن الدكر لغة في الذكر ، ذكره يذكره ذكرا وذكرا ، الأخيرة عن سيبويه . وقوله تعالى : واذكروا ما فيه قال أبو إسحاق : معناه ادرسوا ما فيه . وتذكره واذكره وادكره واذدكره ، قلبوا تاء افتعل في هذا مع الذال بغير إدغام ؛ قال :


                                                          تنحي على الشوك جرازا مقضبا والهم تذريه اذدكارا عجبا



                                                          قال ابن سيده : أما اذكر وادكر فإبدال إدغام ، وأما الذكر والدكر لما رأوها قد انقلبت في اذكر الذي هو الفعل الماضي قلبوها في الذكر الذي هو جمع ذكرة . واستذكره : كاذكره ؛ حكى هذه الأخيرة أبو عبيد عن أبي زيد فقال : أرتمت إذا ربطت في إصبعه خيطا يستذكر به حاجته . وأذكره إياه : ذكره ، والاسم الذكرى . الفراء : يكون الذكرى بمعنى الذكر ، ويكون بمعنى التذكر في قوله تعالى : وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين . والذكر والذكرى ، بالكسر : نقيض النسيان ، وكذلك الذكرة ؛ قال كعب بن زهير :


                                                          أنى ألم بك الخيال يطيف     ومطافه لك ذكرة وشعوف



                                                          يقال : طاف الخيال يطيف طيفا ومطافا وأطاف أيضا . والشعوف : الولوع بالشيء حتى لا يعدل عنه . وتقول : ذكرته ذكرى ؛ غير مجراة .

                                                          ويقال : اجعله منك على ذكر وذكر بمعنى . وما زال ذلك مني على ذكر وذكر ، والضم أعلى ، أي تذكر . وقال الفراء : الذكر ما ذكرته بلسانك وأظهرته ، والذكر بالقلب . يقال : ما زال مني على ذكر ، أي لم أنسه . واستذكر الرجل : ربط في أصبعه خيطا ليذكر به حاجته . والتذكرة : ما تستذكر به الحاجة . وقال أبو حنيفة في ذكر الأنواء : وأما الجبهة فنوؤها من أذكر الأنواء وأشهرها ؛ فكأن قوله من أذكرها إنما هو على ذكر وإن لم يلفظ به وليس على ذكر ؛ لأن ألفاظ فعل التعجب إنما هي من فعل الفاعل لا من فعل المفعول إلا في أشياء قليلة . واستذكر الشيء : درسه للذكر . والاستذكار : الدراسة للحفظ . والتذكر : تذكر ما أنسيته . وذكرت الشيء بعد النسيان وذكرته بلساني وبقلبي وتذكرته وأذكرته غيري وذكرته - بمعنى . قال الله تعالى : وادكر بعد أمة ، أي : ذكر بعد نسيان ، وأصله اذتكر فأدغم . والتذكير : خلاف التأنيث ، والذكر خلاف الأنثى ، والجمع ذكور وذكورة وذكار وذكارة وذكران وذكرة . وقال كراع : ليس في الكلام فعل يكسر على فعول وفعلان إلا الذكر . وامرأة ذكرة ومذكرة ومتذكرة : متشبهة بالذكور . قال بعضهم : إياكم وكل ذكرة مذكرة شوهاء فوهاء تبطل الحق بالبكاء ، لا تأكل من قلة ولا تعتذر من علة ، إن أقبلت أعصفت وإن أدبرت أغبرت . وناقة مذكرة : متشبهة بالجمل في الخلق والخلق ؛ قال ذو الرمة :


                                                          مذكرة حرف سناد يشلها     وظيف أرح الخطو ظمآن سهوق



                                                          ويوم مذكر : إذا وصف بالشدة والصعوبة وكثرة القتل ؛ قال لبيد :


                                                          فإن كنت تبغين الكرام فأعولي     أبا حازم في كل يوم مذكر



                                                          وطريق مذكر : مخوف صعب . وأذكرت المرأة وغيرها فهي مذكر : ولدت ذكرا . وفي الدعاء للحبلى : أذكرت وأيسرت ، أي : ولدت ذكرا ، ويسر عليها . وامرأة مذكر : ولدت ذكرا فإذا كان ذلك لها عادة فهي مذكار ، وكذلك الرجل أيضا مذكار ؛ قال رؤبة :


                                                          إن تميما كان قهبا من عاد     أرأس مذكارا كثير الأولاد



                                                          ويقال : كم الذكرة من ولدك ؟ أي : الذكور .

                                                          وفي الحديث : إذا غلب ماء الرجل المرأة أذكرا ، أي : ولدا ذكرا ؛ وفي رواية : إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرت بإذن الله ، أي : ولدته ذكرا .

                                                          وفي حديث عمر : هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به ، أي : جاءت به ذكرا جلدا . وفي حديث طارق مولى عثمان : قال لابن الزبير حين صرع : والله ما ولدت النساء أذكر منك ؛ يعني : شهما ماضيا في الأمور .

                                                          وفي حديث الزكاة : ابن لبون ذكر ؛ ذكر الذكر تأكيدا ، وقيل : تنبيها على نقص الذكورية في الزكاة مع ارتفاع السن ، وقيل : لأن الابن يطلق في بعض الحيوانات على الذكر والأنثى ، كابن آوى وابن عرس وغيرهما ، لا يقال فيه بنت آوى ولا بنت عرس ، فرفع الإشكال بذكر الذكر .

                                                          وفي حديث الميراث : لأولى رجل ذكر ؛ قيل : قاله احترازا من الخنثى ، وقيل : تنبيها على اختصاص الرجال بالتعصيب للذكورية . ورجل ذكر : إذا كان قويا شجاعا أنفا أبيا . ومطر ذكر : شديد وابل ؛ قال الفرزدق :


                                                          فرب ربيع بالبلاليق قد رعت     بمستن أغياث بعاق ذكورها



                                                          وقول ذكر : صلب متين . وشعر ذكر : فحل . وداهية مذكر : لا يقوم لها إلا ذكران الرجال ، وقيل : داهية مذكر شديدة ؛ قال الجعدي :


                                                          وداهية عمياء صماء مذكر     تدر بسم من دم يتحلب



                                                          وذكور الطيب : ما يصلح للرجال دون النساء نحو المسك والغالية [ ص: 37 ] والذريرة .

                                                          وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - : أنه كان يتطيب بذكارة الطيب ؛ الذكارة - بالكسر - : ما يصلح للرجال كالمسك والعنبر والعود ، وهي جمع ذكر ، والذكورة مثله ؛ ومنه الحديث : كانوا يكرهون المؤنث من الطيب ولا يرون بذكورته بأسا ؛ قال : هو ما لا لون له ينفض كالعود والكافور والعنبر ، والمؤنث طيب النساء كالخلوق والزعفران . وذكور العشب : ما غلظ وخشن . وأرض مذكار تنبت ذكور العشب ، وقيل : هي التي لا تنبت ، والأول أكثر ، قال كعب :


                                                          وعرفت أني مصبح بمضيعة     غبراء يعزف جنها مذكار



                                                          الأصمعي : فلاة مذكار ذات أهوال ؛ وقال مرة : لا يسلكها إلا الذكر من الرجال . وفلاة مذكر : تنبت ذكور البقل ، وذكوره : ما خشن منه وغلظ ، وأحرار البقول : ما رق منه وطاب . وذكور البقل : ما غلظ منه وإلى المرارة هو . والذكر : الصيت والثناء . ابن سيده : الذكر الصيت يكون في الخير والشر . وحكى أبو زيد : إن فلانا لرجل لو كان له ذكرة ، أي : ذكر . ورجل ذكير وذكير : ذو ذكر ؛ عن أبي زيد . والذكر : الشرف والصيت . ورجل ذكير جيد الذكر والحفظ . والذكر : الشرف . وفي التنزيل : وإنه لذكر لك ولقومك ، أي : القرآن شرف لك ولهم . وقوله تعالى : ورفعنا لك ذكرك ، أي : شرفك ؛ وقيل : معناه إذا ذكرت ذكرت معي . والذكر : الكتاب الذي فيه تفصيل الدين ووضع الملل ، وكل كتاب من الأنبياء - عليهم السلام - ذكر . والذكر : الصلاة لله والدعاء إليه والثناء عليه .

                                                          وفي الحديث : كانت الأنبياء - عليهم السلام - إذا حزبهم أمر فزعوا إلى الذكر ، أي : إلى الصلاة يقومون فيصلون . وذكر الحق : هو الصك ، والجمع ذكور حقوق ، ويقال : ذكور حق . والذكرى : اسم للتذكرة . قال أبو العباس : الذكر الصلاة ، والذكر قراءة القرآن ، والذكر التسبيح ، والذكر الدعاء ، والذكر الشكر ، والذكر الطاعة .

                                                          وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - : ثم جلسوا عند المذكر حتى بدا حاجب الشمس ؛ المذكر موضع الذكر ، كأنها أرادت عند الركن الأسود أو الحجر ، وقد تكرر ذكر الذكر في الحديث ويراد به تمجيد الله وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده .

                                                          وفي الحديث : القرآن ذكر فذكروه ، أي : أنه جليل خطير فأجلوه . ومعنى قوله تعالى : ولذكر الله أكبر فيه وجهان : أحدهما أن ذكر الله تعالى إذا ذكره العبد خير للعبد من ذكر العبد للعبد ، والوجه الآخر أن ذكر الله ينهى عن الفحشاء والمنكر أكثر مما تنهى الصلاة . وقول الله - عز وجل - : سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قال الفراء فيه وفي قول الله تعالى : أهذا الذي يذكر آلهتكم قال : يريد يعيب آلهتكم ، قال : وأنت قائل للرجل لئن ذكرتني لتندمن ، وأنت تريد بسوء ، فيجوز ذلك ، قال عنترة :


                                                          لا تذكري فرسي وما أطعمته     فيكون جلدك مثل جلد الأجرب



                                                          أراد : لا تعيبي مهري ، فجعل الذكر عيبا ؛ قال أبو منصور : وقد أنكر أبو الهيثم أن يكون الذكر عيبا ، وقال في قول عنترة لا تذكري فرسي : معناه لا تولعي بذكره وذكر إيثاري إياه دون العيال . وقال الزجاج نحوا من قول الفراء ، قال : ويقال فلان يذكر الناس ، أي : يغتابهم ويذكر عيوبهم وفلان يذكر الله ، أي : يصفه بالعظمة ويثني عليه ويوحده ، وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه .

                                                          وفي حديث علي : إن عليا يذكر فاطمة ، أي : يخطبها ، وقيل : يتعرض لخطبتها ، ومنه حديث عمر : ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا ، أي : ما تكلمت بها حالفا ، من قولك : ذكرت لفلان حديث كذا وكذا ، أي : قلته له وليس من الذكر بعد النسيان . والذكارة : حمل النخل ، قال ابن دريد : وأحسب أن بعض العرب يسمي السماك الرامح الذكر . والذكر معروف ، والجمع ذكور ومذاكير على غير قياس ، كأنهم فرقوا بين الذكر الذي هو الفحل وبين الذكر الذي هو العضو . وقال الأخفش : هو من الجمع الذي ليس له واحد ، مثل العباديد والأبابيل ؛ وفي التهذيب : وجمعه الذكارة ، ومن أجله يسمى ما يليه المذاكير ، ولا يفرد ، وإن أفرد فمذكر مثل مقدم ومقاديم .

                                                          وفي الحديث : أن عبدا أبصر جارية لسيده فغار السيد فجب مذاكيره ، هي جمع الذكر على غير قياس . ابن سيده : والمذاكير منسوبة إلى الذكر ، واحدها ذكر ، وهو من باب محاسن وملامح . والذكر والذكير من الحديد : أيبسه وأشده وأجوده ، وهو خلاف الأنيث ، وبذلك يسمى السيف مذكرا ويذكر به القدوم والفأس ونحوه ، أعني بالذكر من الحديد . ويقال : ذهبت ذكرة السيف وذكرة الرجل ، أي : حدتهما .

                                                          وفي الحديث : أنه كان يطوف في ليلة على نسائه ويغتسل من كل واحدة منهن غسلا فسئل عن ذلك فقال : إنه أذكر ، أي : أحد . وسيف ذو ذكرة ، أي : صارم ، والذكرة : القطعة من الفولاذ تزاد في رأس الفأس وغيره ، وقد ذكرت الفأس والسيف ، أنشد ثعلب :


                                                          صمصامة ذكره مذكره     يطبق العظم ولا يكسره



                                                          ‌‌ وقالوا لخلافه : الأنيث . وذكرة السيف والرجل : حدتهما . ورجل ذكير : أنف أبي . وسيف مذكر : شفرته حديد ذكر ومتنه أنيث ، يقول الناس إنه من عمل الجن . الأصمعي : المذكرة هي السيوف شفراتها حديد ووصفها كذلك . وسيف مذكر ، أي : ذو ماء . وقوله تعالى : ص والقرآن ذي الذكر أي : ذي الشرف .

                                                          وفي الحديث : إن الرجل يقاتل ليذكر ويقاتل ليحمد ، أي : ليذكر بين الناس ويوصف بالشجاعة . والذكر : الشرف والفخر . وفي صفة القرآن : الذكر الحكيم ، أي : الشرف المحكم العاري من الاختلاف . وتذكر : بطن من ربيعة ، والله - عز وجل - أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية