الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذنب ]

                                                          ذنب : الذنب : الإثم والجرم والمعصية ، والجمع ذنوب ، وذنوبات جمع الجمع ، وقد أذنب الرجل ؛ وقوله - عز وجل - في مناجاة موسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - : ولهم علي ذنب عنى بالذنب قتل الرجل الذي وكزه موسى - عليه السلام - فقضى عليه ، وكان ذلك الرجل من آل فرعون . والذنب : معروف والجمع أذناب . وذنب الفرس : نجم على شكل ذنب الفرس . وذنب الثعلب : نبتة على شكل ذنب الثعلب . والذنابى : الذنب ؛ قال الشاعر :


                                                          جموم الشد شائلة الذنابى

                                                          الصحاح : الذنابى ذنب الطائر ؛ وقيل : الذنابى منبت الذنب . وذنابى الطائر : ذنبه وهي أكثر من الذنب . والذنبى والذنبى : الذنب ، عن الهجري وأنشد :


                                                          يبشرني بالبين من أم سالم     أحم الذنبى خط بالنقس حاجبه



                                                          ويروى : الذنبى . وذنب الفرس والعير ، وذناباهما ، وذنب فيهما ، أكثر من ذنابى ؛ وفي جناح الطائر أربع ذنابى بعد الخوافي . الفراء : يقال : ذنب الفرس ، وذنابى الطائر ، وذنابة الوادي ومذنب النهر ومذنب القدر ، وجمع ذنابة الوادي ذنائب ، كأن الذنابة جمع ذنب الوادي وذنابه وذنابته ، مثل جمل وجمال وجمالة ثم جمالات جمع الجمع ؛ ومنه قوله تعالى : ( جمالات صفر ) . أبو عبيدة : فرس مذانب ؛ وقد ذانبت إذا وقع ولدها في القحقح ، ودنا خروج السقي ، وارتفع عجب الذنب ، وعلق به ، فلم يحدروه . والعرب تقول : [ ص: 46 ] ركب فلان ذنب الريح إذا سبق فلم يدرك ؛ وإذا رضي بحظ ناقص قيل : ركب ذنب البعير ، واتبع ذنب أمر مدبر ، يتحسر على ما فاته . وذنب الرجل : أتباعه . وأذناب الناس وذنباتهم : أتباعهم وسفلتهم دون الرؤساء ، على المثل ؛ قال :


                                                          وتساقط التنواط والذ     نبات إذ جهد الفضاح



                                                          ويقال : جاء فلان بذنبه ، أي : بأتباعه ؛ وقال الحطيئة يمدح قوما :


                                                          قوم هم الرأس والأذناب غيرهم     ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا



                                                          وهؤلاء قوم من بني سعد بن زيد مناة ، يعرفون ببني أنف الناقة ، لقول الحطيئة هذا ، وهم يفتخرون به . وروي عن علي - كرم الله وجهه - أنه ذكر فتنة في آخر الزمان ، قال : فإذا كان ذلك ، ضرب يعسوب الدين بذنبه ، فتجتمع الناس أراد أنه يضرب ، أي : يسير في الأرض ذاهبا بأتباعه الذين يرون رأيه ، ولم يعرج على الفتنة . والأذناب : الأتباع ، جمع ذنب ، كأنهم في مقابل الرءوس وهم المقدمون . والذنابى : الأتباع . وأذناب الأمور : مآخيرها على المثل أيضا ، والذانب : التابع للشيء على أثره ، يقال : هو يذنبه ، أي : يتبعه ، قال الكلابي :


                                                          وجاءت الخيل جميعا تذنبه

                                                          وأذناب الخيل : عشبة تحمد عصارتها على التشبيه ، وذنبه يذنبه ويذنبه ، واستذنبه : تلا ذنبه فلم يفارق أثره ، والمستذنب : الذي يكون عند أذناب الإبل ، لا يفارق أثرها قال :


                                                          مثل الأجير استذنب الرواحلا

                                                          والذنوب : الفرس الوافر الذنب ، والطويل الذنب .

                                                          وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : كان فرعون على فرس ذنوب ، أي : وافر شعر الذنب . ويوم ذنوب : طويل الذنب لا ينقضي ، يعني طول شره . وقال غيره : يوم ذنوب : طويل الشر لا ينقضي ، كأنه طويل الذنب . ورجل وقاح الذنب : صبور على الركوب . وقولهم : عقيل طويلة الذنب لم يفسره ابن الأعرابي ، قال ابن سيده : وعندي أن معناه : أنها كثيرة ركوب الخيل . وحديث طويل الذنب : لا يكاد ينقضي ، على المثل أيضا . ابن الأعرابي : المذنب الذنب الطويل ، والمذنب الضب ، والذناب خيط يشد به ذنب البعير إلى حقبه لئلا يخطر بذنبه ، فيملأ راكبه . وذنب كل شيء : آخره ، وجمعه ذناب . والذناب ؛ بكسر الذال : عقب كل شيء . وذناب كل شيء : عقبه ومؤخره ، بكسر الذال ، قال :


                                                          ونأخذ بعده بذناب عيش     أجب الظهر ليس له سنام



                                                          وقال الكلابي في طلب جمله : اللهم لا يهديني لذنابته غيرك . قال : وقالوا : من لك بذناب لو ؟ قال الشاعر :


                                                          فمن يهدي أخا لذناب لو     فأرشوه فإن الله جار



                                                          وتذنب المعتم ، أي : ذنب عمامته ، وذلك إذا أفضل منها شيئا ، فأرخاه كالذنب . والتذنوب : البسر الذي قد بدا فيه الإرطاب من قبل ذنبه . وذنب البسرة وغيرها من التمر : مؤخرها . وذنبت البسرة فهي مذنبة . وكتت من قبل ذنبها ، الأصمعي : إذا بدت نكت من الإرطاب في البسر من قبل ذنبها ، قيل : قد ذنبت . والرطب : التذنوب ، واحدته تذنوبة ، قال :


                                                          فعلق النوط أبا محبوب     إن الغضا ليس بذي تذبوب



                                                          الفراء : جاءنا بتذنوب ، وهي لغة بني أسد . والتميمي يقول : تذنوب والواحدة تذنوبة .

                                                          وفي الحديث : كان يكره المذنب من البسر ؛ مخافة أن يكونا شيئين ، فيكون خليطا ، وفي حديث أنس : كان لا يقطع التذنوب من البسر إذا أراد أن يفتضخه .

                                                          وفي حديث ابن المسيب : كان لا يرى بالتذنوب أن يفتضخ بأسا . وذنابة الوادي : الموضع الذي ينتهي إليه سيله ، وكذلك ذنبه ، وذنابته أكثر من ذنبه . وذنبة الوادي والنهر وذنابته وذنابته : آخره ، الكسر عن ثعلب . وقال أبو عبيد : الذنابة - بالضم - : ذنب الوادي وغيره . وأذناب التلاع : مآخيرها . ومذنب الوادي وذنبه واحد ، ومنه قوله المسايل . والذناب : مسيل ما بين كل تلعتين على التشبيه بذلك وهي الذنائب . والمذنب : مسيل ما بين تلعتين ، ويقال لمسيل ما بين التلعتين : ذنب التلعة . وفي حديث حذيفة - رضي الله عنه - : حتى يركبها الله بالملائكة ، فلا يمنع ذنب تلعة ، وصفه بالذل والضعف ، وقلة المنعة ، والخسة . الجوهري : والمذنب مسيل الماء في الحضيض ، والتلعة في السند ، وكذلك الذنابة والذنابة أيضا ، بالضم . والمذنب : مسيل الماء إلى الأرض . والمذنب : المسيل في الحضيض ليس بخد واسع . وأذناب الأودية : أسافلها .

                                                          وفي الحديث : يقعد أعرابها على أذناب أوديتها ، فلا يصل إلى الحج أحد ، ويقال لها أيضا : المذانب . وقال أبو حنيفة : المذنب كهيئة الجدول يسيل عن الروضة ماؤها إلى غيرها ، فيفرق ماؤها فيها ، والتي يسيل عليها الماء مذنب أيضا ، قال امرؤ القيس :


                                                          وقد أغتدي والطير في وكناتها     وماء الندى يجري على كل مذنب



                                                          وكله قريب بعضه من بعض . وفي حديث ظبيان : وذنبوا خشانه ، أي : جعلوا له مذانب ومجاري ، والخشان : ما خشن من الأرض ، والمذنبة والمذنب : المغرفة ؛ لأن لها ذنبا أو شبه الذنب ، والجمع مذانب ، قال أبو ذؤيب الهذلي :


                                                          وسود من الصيدان فيها مذانب الن     ضار إذا لم نستفدها نعارها



                                                          ويروى : مذانب نضار . والصيدان : القدور التي تعمل من الحجارة ، واحدتها صيدانة ، والحجارة التي يعمل منها يقال لها : الصيداء . ومن روى الصيدان - بكسر الصاد - فهو جمع صاد ، كتاج وتيجان ، والصاد : النحاس والصفر . والتذنيب للضباب والفراش ونحو ذلك [ ص: 47 ] إذا أرادت التعاظل والسفاد قال الشاعر :


                                                          مثل الضباب إذا همت بتذنيب

                                                          وذنب الجراد والفراش والضباب إذا أرادت التعاظل والبيض ، فغرزت أذنابها . وذنب الضب : أخرج ذنبه من أدنى الجحر ، ورأسه في داخله ، وذلك في الحر . قال أبو منصور : إنما يقال للضب مذنب إذا ضرب بذنبه من يريده من محترش أو حية . وقد ذنب تذنيبا إذا فعل ذلك . وضب أذنب : طويل الذنب ، وأنشد أبو الهيثم :


                                                          لم يبق من سنة الفاروق نعرفه     إلا الذنيبي وإلا الدرة الخلق



                                                          قال : الذنيبي ضرب من البرود ، قال : ترك ياء النسبة ، كقوله :


                                                          متى كنا لأمك مقتوينا

                                                          وكان ذلك على ذنب الدهر ، أي : في آخره . وذنابة العين وذنابها وذنبها : مؤخرها . وذنابة النعل : أنفها . وولى الخمسين ذنبا : جاوزها ، قال ابن الأعرابي : قلت للكلابي : كم أتى عليك ؟ فقال : قد ولت لي الخمسون ذنبها ، هذه حكاية ابن الأعرابي ، والأول حكاية يعقوب . والذنوب : لحم المتن ، وقيل : هو منقطع المتن ، وأوله وأسفله ، وقيل : الألية والمآكم ، قال الأعشى :


                                                          وارتج منها ذنوب المتن والكفل

                                                          والذنوبان : المتنان من هاهنا وهاهنا . والذنوب : الحظ والنصيب ، قال أبو ذؤيب :


                                                          لعمرك والمنايا غالبات     لكل بني أب منها ذنوب



                                                          والجمع أذنبة وذنائب وذناب . والذنوب : الدلو فيها ماء ، وقيل : الذنوب : الدلو التي يكون الماء دون ملئها ، أو قريب منه ، وقيل : هي الدلو الملأى ، قال : ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب ، وقيل : هي الدلو ما كانت ، كل ذلك مذكر عند اللحياني . وفي حديث بول الأعرابي في المسجد : فأمر بذنوب من ماء فأهريق عليه ، قيل : هي الدلو العظيمة ، وقيل : لا تسمى ذنوبا حتى يكون فيها ماء ، وقيل : إن الذنوب تذكر وتؤنث ، والجمع في أدنى العدد أذنبة ، والكثير ذنائب كقلوص وقلائص ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          فكنت ذنوب البئر لما تبسلت     وسربلت أكفاني ووسدت ساعدي



                                                          استعار الذنوب للقبر حين جعله بئرا ، وقد استعملها أمية بن أبي عائذ الهذلي في السير ، فقال يصف حمارا :


                                                          إذا ما انتحين ذنوب الحضا     ر جاش خسيف فريغ السجال



                                                          يقول : إذا جاء هذا الحمار بذنوب من عدو ، جاءت الأتن بخسيف . التهذيب : والذنوب في كلام العرب على وجوه ، من ذلك قوله تعالى : فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم . وقال الفراء : الذنوب في كلام العرب : الدلو العظيمة ، ولكن العرب تذهب به إلى النصيب والحظ ، وبذلك فسر قوله تعالى : فإن للذين ظلموا ، أي : أشركوا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ، أي : حظا من العذاب كما نزل بالذين من قبلهم ، وأنشد الفراء :


                                                          لها ذنوب ولكم ذنوب     فإن أبيتم فلنا القليب



                                                          وذنابة الطريق : وجهه ، حكاه ابن الأعرابي . قال وقال أبو الجراح لرجل : إنك لم ترشد ذنابة الطريق . يعني وجهه .

                                                          وفي الحديث : من مات على ذنابى طريق ، فهو من أهله ، يعني على قصد طريق ، وأصل الذنابى منبت الذنب . والذنبان : نبت معروف ، وبعض العرب يسميه ذنب الثعلب ، وقيل : الذنبان - بالتحريك - نبتة ذات أفنان طوال ، غبيراء الورق ، تنبت في السهل على الأرض ، لا ترتفع ، تحمد في المرعى ، ولا تنبت إلا في عام خصيب ، وقيل : هي عشبة لها سنبل في أطرافها ، كأنه سنبل الذرة ، ولها قضب وورق ، ومنبتها بكل مكان ما خلا حر الرمل ، وهي تنبت على ساق وساقين ، واحدتها ذنبانة ، قال أبو محمد الحذلمي :


                                                          في ذنبان يستظل راعيه

                                                          وقال أبو حنيفة : الذنبان عشب له جزرة لا تؤكل ، وقضبان مثمرة من أسفلها إلى أعلاها ، وله ورق مثل ورق الطرخون ، وهو ناجع في السائمة ، وله نويرة غبراء تجرسها النحل ، وتسمو نحو نصف القامة ، تشبع الثنتان منه بعيرا ، واحدته ذنبانة ، قال الراجز :


                                                          حوزها من عقب إلى ضبع     في ذنبان ويبيس منقفع
                                                          وفي رفوض كلأ غير قشع



                                                          والذنيباء ؛ مضمومة الذال مفتوحة النون ممدودة : حبة تكون في البر ، ينقى منها حتى تسقط . والذنائب : موضع بنجد ، قال ابن بري : هو على يسار طريق مكة . والمذانب : موضع . قال مهلهل بن ربيعة ، شاهد الذنائب :


                                                          فلو نبش المقابر عن كليب     فتخبر بالذنائب أي زير



                                                          وبيت في الصحاح لمهلهل أيضا :


                                                          فإن يك بالذنائب طال ليلي     فقد أبكي على الليل القصير



                                                          يريد : فقد أبكي على ليالي السرور ؛ لأنها قصيرة ، وقبله :


                                                          أليلتنا بذي حسم أنيري     إذا أنت انقضيت فلا تحوري



                                                          وقال لبيد ، شاهد المذانب :


                                                          ألم تلمم على الدمن الخوالي     لسلمى بالمذانب فالقفال



                                                          والذنوب : موضع بعينه ، قال عبيد بن الأبرص :


                                                          أقفر من أهله ملحوب     فالقطبيات فالذنوب



                                                          ابن الأثير : وفي الحديث ذكر سيل مهزور ومذينب ، هو بضم الميم [ ص: 48 ] وسكون الياء وكسر النون ، وبعدها باء موحدة : اسم موضع بالمدينة ، والميم زائدة . الصحاح ، الفراء : الذنابى شبه المخاط ، يقع من أنوف الإبل ، ورأيت ، في نسخ متعددة من الصحاح ، حواشي ، منها ما هو بخط الشيخ الصلاح المحدث - رحمه الله - ما صورته : حاشية من خط الشيخ أبي سهل الهروي ، قال : هكذا في الأصل بخط الجوهري ، قال : وهو تصحيف ، والصواب : الذنانى شبه المخاط ، يقع من أنوف الإبل ، بنونين بينهما ألف ، قال : وهكذا قرأناه على شيخنا أبي أسامة جنادة بن محمد الأزدي ، وهو مأخوذ من الذنين ، وهو الذي يسيل من فم الإنسان والمعزى ، ثم قال صاحب الحاشية : وهذا قد صحفه الفراء أيضا ، وقد ذكر ذلك فيما رد عليه من تصحيفه ، وهذا مما فات الشيخ ابن بري ، ولم يذكره في أماليه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية