الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن دخل الحرم ) ولو حلالا ( أو أحرم ) ولو في الحل ( وفي يده حقيقة ) يعني الجارحة ( صيد وجب إرساله ) أي إطارته أو إرساله للحل وديعة قهستاني [ ص: 573 ] ( على وجه غير مضيع له ) لأن تسييب الدابة حرام

وفي كراهة جامع الفتاوى : شرى عصافير من الصياد وأعتقها جاز إن قال من أخذها فهي له ولا تخرج عن ملكه بإعتاقه ، وقيل لا لأنه تضييع للمال . ا هـ . قلت : وحينئذ فتقييد الإطارة بالإباحة [ ص: 574 ] تأمل ا هـ

وفي كراهة مختارات النوازل : سيب دابته فأخذها آخر وأصلحها فلا سبيل للمالك عليها إن قال في تسييبها هي لمن أخذها وإن قال لا حاجة لي بها فله أخذها ، والقول له بيمينه . ا هـ . ( لا ) يجب ( إن كان ) الصيد ( في بيته ) لجريان العادة الفاشية بذلك ، وهي من إحدى الحجج ( أو قفصه ) ولو القفص في يده بدليل أخذ المحدث المصحف بغلافه . ( ولا يخرج ) الصيد ( عن ملكه بهذا الإرسال فله إمساكه في الحل و ) له ( أخذه من إنسان أخذه منه ) لأنه لم يخرج عن ملكه لأنه ملكه وهو حلال ، بخلاف ما لو أخذه وهو محرم لما يأتي لأنه لم يرسله عن اختيار

التالي السابق


( قوله ولو حلالا ) الأولى أن يقال وهو حلال كما قيده به في مجمع الأنهر . قال : وإنما قيدنا به لتظهر فائدة قيد الدخول في الحرم ، فإن وجوب الإرسال في المحرم لا يتوقف على دخول الحرم لأنه بمجرد الإحرام يجب عليه كما في الإصلاح وغيره وبهذا يظهر ضعف ما قيل حلالا أو محرما . ا هـ . وعليه ينبغي أن يقال وهو في الحل بدل قوله ولو في الحل . ا هـ . ح .

والحاصل أن الكلام فيمن كان حلالا في الحل وأراد الإحرام أو دخول الحرم وكان في يده صيد وجب عليه إرساله . وفي اللباب وشرحه : اعلم أن الصيد يصير آمنا بثلاثة أشياء : بإحرام الصائد ، أو بدخوله في الحرم ، أو بدخول الصيد فيه ، ولو أخذ صيدا في الحل أو الحرم وهو محرم أو في الحرم وهو حلال لم يملكه ووجب عليه إرساله ، سواء كان في يده أو قفصه أو في بيته ; ولو لم يرسله حتى هلك وهو محرم أو حلال فعليه الجزاء ( قوله يعني الجارحة ) محترزه قوله لا إن كان في بيته أو قفصه ( قوله وجب إرساله ) قال في البحر اتفاقا ( قوله أي إطارته ) لو قال أي إطلاقه لكان أشمل لتناول الوحش فإن هذا الحكم لا يخص الطير . ا هـ . ح وشمل إطلاقه ما لو غصبه وهو حلال من حلال فأحرم الغاصب فإنه يلزمه إرساله وعليه قيمته لمالكه ; فلو رده له برئ ولزمه الجزاء كذا في الدراية معزيا إلى المنتقى نهر . قال في الفتح : وهذا لغز غاصب يجب عليه عدم الرد ، بل إذا فعل يجب به الضمان ( قوله أو إرساله للحل وديعة ) هذا قول ثان في تفسير الإرسال حكاه القهستاني بعد حكاية الأول ، وعزاه للتحفة .

ويشكل عليه مسألة الغاصب حيث لزمه الجزاء وإن رده لمالكه . وأيضا فالرسول في حال أخذ الصيد هو في الحرم فيلزمه إرساله وضمان قيمته للمالك كالغاصب كما أفاده ط . وأيضا اعترضه ابن كمال بأن يد المودع يد المودع لكن رده في النهر بما في فوائد الظهيرية أن يد خادمه كرجله .

وحاصله أن المحظور كون الصيد في يده الحقيقية ويده فيما عند المودع غير حقيقة ; بل هي مثل يده على ما في رجله أو قفصه أو خادمه ; لكن يرد عليه ما مر عن ط . وقد يجاب بأنه يمكنه أن يناوله في طرف الحرم لمن هو في الحل أو يرسله في قفص . [ ص: 573 ] ثم اعلم أن الذي يظهر من كلامهم أن هذين القولين في المسألة الثانية فقط وهي من أحرم في الحل وفي يده صيد ، أما الأولى وهي لو دخل الحرم وفي يده صيد فالواجب عليه الإرسال بمعنى الإطارة لقوله في الهداية عليه أن يرسل فيه : أي في الحرم ، وتعليله له بأنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم وصار من صيد الحرم ، وكذا ما قدمناه عن اللباب من أن الصيد يصير آمنا بثلاثة أشياء إلخ ; وكذا قول اللباب : ولو أدخل محرم أو حلال صيد الحل الحرم صار حكمه حكم صيد الحرم ، وكذا قول المصنف الآتي فلو كان جارحا إلخ فإنه لو كان له إيداع الجارح بعدما أدخله الحرم لم يجز له إرساله مع العلم بأن عادة الجارح قتل الصيد ، وكذا قول اللباب لو أخذ صيد الحرم فأرسله في الحل لا يبرأ من الضمان حتى يعلم وصوله إلى الحرم آمنا فكيف إذا أودعه فتأمل ( قوله على وجه غير مضيع له ) يفسره ما قبله ، فكان الأولى تأخيره عنه كما فعل في شرحه على الملتقى حيث قال كأن يودعه أو يرسله في قفص ( قوله وفي كراهة جامع الفتاوى ) إلى قوله لا يجب ساقط من بعض النسخ .

وحاصله أن إعتاق الصيد أي إطلاقه من يده جائز إن أباحه لمن يأخذه وهو تقييد لقوله لأن تسييب الدابة حرام ، وقيل لا : أي لا يجوز إعتاقه مطلقا كما هو ظاهر إطلاق حرمة التسييب لأنه وإن أباحه فالأغلب أنه لا يقع في يد أحد فيبقى سائبة ، وفيه تضييع للمال ، وقوله ولا تخرج عن ملكه بإعتاقه يحتمل معنيين :

الأول : أنه لا يخرج عن ملكه قبل أن يأخذه أحد فإن أخذه أحد بعد الإباحة ملكه كما تفيده عبارة مختارات النوازل .

الثاني : أنه لا يخرج مطلقا لأن التمليك لمجهول لا يصح مطلقا أو لا لقوم معلومين لما في لقطة البحر عن الهداية إن كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف ، ولكن يبقى على ملك مالكه لأن التمليك من المجهول لا يصح . قال : وفي البزازية للمالك أخذها منه إلا إذا قال عند الرمي من أخذه فهو له لقوم معلومين ، ولم يذكر السرخسي هذا التفسير ا هـ فينبغي أن يكون إعتاق الصيد كذلك وتكون فائدة الإباحة حل الانتفاع به مع بقائه على ملك المالك ، لكن في لفظة التتارخانية : ترك دابة لا قيمة لها من الهزال ولم يبحها وقت الترك فأخذها رجل وأصلحها فالقياس أن تكون للآخذ كقشور الرمان المطروحة . وفي الاستحسان : تكون لصاحبها . قال محمد : لأنا لو جوزنا ذلك في الحيوان لجوزنا في الجارية ترمى في الأرض مريضة لا قيمة لها فيأخذها رجل وينفق عليها فيطؤها من غير شراء ولا هبة ولا إرث ولا صدقة أو يعتقها من غير أن يملكها وهذا أمر قبيح ا هـ ملخصا . ومقتضاه أن غير الحيوان كالقشور يكون طرحه إباحة بدون تصريح وأنه يملكه الآخذ بخلاف الحيوان فلا يملكه إلا بالتصريح بالإباحة كما هو مفهوم قوله ولم يبحها ، وهذا خلاف ما ذكرناه عن البحر .

وعلى هذا يتخرج ما في مختارات النوازل ; ويأتي قريبا قول ثالث ، وهو أن غير المحرم لو أرسله يكون إباحة لأنه أرسله باختياره فيكون كقشور الرمان ( قوله وحينئذ ) أي حين إذا كان إعتاق الصيد لا يجوز إلا إذا أباحه لمن يأخذه تقييد الإطارة : أي التي فسر بها الإرسال بالإباحة ، ويؤيده قول المعراج ولو كان في يده فعليه إرساله على وجه لا يضيع ، فإن إرسال الصيد ليس بمندوب كتسييب الدابة ; بل هو حرام إلا أن يرسله للعلف أو يبيح للناس أخذه كذا في الفوائد الظهيرية ا هـ وقال بعده على وجه لا يضيع بأن يخليه [ ص: 574 ] في بيته أو يودعه عند حلال ا هـ لكن ظاهر ما قدمناه عن القهستاني من حكاية القولين في تفسير الإرسال أن من فسره بالإطارة لم يقيد بالإباحة لأنه يقول إن الإرسال واجب فلم يكن في معنى التسييب المحظور ، ومن فسر الإرسال الوديعة فكأنه يقول حيث أمكنه دفع التعرض للصيد بها فلا حاجة إلى الإطارة المضيعة للملك لاندفاع الضرورة بدونها ، ولذا قال قاضي خان في شرح الجامع لو أحرم والصيد في يده عليه أن يرسله ، لكن على وجه لا يضيع لأن الواجب ترك التعرض بإزالة اليد الحقيقية لا بإبطال الملك . ا هـ .

وكون الإباحة تنفي التضييع ممنوع . لأن الغالب على الصيد أنه إذا أرسل لا يصاد ثانيا فيبقى ملكه ضائعا ، والتسييب لا يجوز ، وإنما يجب الإرسال مطلقا فيما صاده وهو محرم كما مر لأنه لم يملكه فليس فيه تضييع ملك ، هذا ما ظهر لي وقد علمت مما قدمناه أن هذا كله فيما لو أخذ صيدا ثم أحرم ; أما لو دخل به الحرم فإنه يلزمه إرساله بمعنى إطارته ، وأنه ليس له إيداعه لأنه صار من صيد الحرم ( قوله فتأمل ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها قبل . وقال ح ، هو ظرف مبني على الضم أي قبل الإطارة العامل فيه الإباحة ( قوله وأصلحها ) ليس بقيد فيما يظهر لأن المدار في التمليك على الإباحة . وقد يقال إنما قيد به لمنع الأخذ لأن قوله من أخذها فهي له ينزل هبة والإصلاح زيادة تمنع من الرجوع منها وبدونه له الرجوع إذ لا مانع ويحرر ط ( قوله والقول له ) أي للمالك أنه لم يبحها لأحد لأنه ينكر إباحة التمليك وإن برهن الآخذ أو نكل عن اليمين سلمت للآخذ ط عن لقطة البحر ( قوله لا إن كان في بيته أو قفصه ) أي ولم يكن اصطاده في الإحرام أما لو اصطاده في الإحرام يلزمه إرساله بالإجماع معراج ( قوله لجريان العادة ) أي من لدن الصحابة إلى الآن ، وهم التابعون ومن بعدهم يحرمون وفي بيوتهم حمام في أبراج وعندهم دواجن وطيور لا يطلقونها وهي إحدى الحجج ، فدلت على أن استبقاءها في الملك محفوظة بغير اليد ليس هو التعرض الممتنع فتح . والدواجن : جمع داجن ، وهو الذي ألف المكان من صيود وحشيات ومستأنسة ( قوله ولو القفص في يده ) أي مع خادمه أو في رحله معراج .

وقيل إن كان القفص في يده يلزمه إرساله لكن على وجه لا يضيع هداية وهو ضعيف كما في النهر . قال ح : والظاهر أن مثله ما إذا كان الحبل المشدود في رقبة الصيد في يده ( قوله بدليل إلخ ) فإنه يأخذ الغلاف بيده لم يجعل المصحف بيده فكذا بأخذ القفص لا يكون الطير في يده ( قوله أخذه منه ) صفة لإنسان ، والضمير في منه للحل ، ومثله ما لو أخذه من الحرم بالأولى لأنه لو كان غير مملوك لا يملكه الآخذ فالمملوك أولى فافهم ( قوله لأنه لم يخرج عن ملكه ) الأولى حذفه والاقتصار على التعليل الثاني لأنه عين قول المصنف ولا يخرج عن ملكه ط ( قوله لأنه ملكه وهو حلال ) علة لعدم خروج الصيد عن ملكه ، ومفهومه أنه لو ملكه وهو محرم يخرج عن ملكه مع أن المحرم لا يملك الصيد ، فلو قال لأنه أخذه وهو حلال لكان أحسن ح ( قوله لما يأتي ) أي في قول المصنف والصيد لا يملكه المحرم إلخ ( قوله لأنه لم يرسله عن اختيار ) كذا في بعض النسخ أي لأن الشرع ألزمه بإرساله فكان مضطرا شرعا إليه ، والمناسب عطفه بالواو لأنه علة ثانية لقوله وله أخذه إلخ .

وقد علل به التمرتاشي كما عزاه إليه في الفتح وقال إنه يدل على أنه لو أرسله من غير إحرام يكون إباحة ا هـ أي فليس له أخذه ممن أخذه وإن لم يصرح بالإباحة وقت [ ص: 575 ] إرساله لأنه غير مضطر إليه فكان مجرد إرساله إباحة كإلقاء قشر الرمان كما قدمناه .




الخدمات العلمية