الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحرم عليه ) أي على المعتكف اعتكافا واجبا أما النفل فله الخروج [ ص: 445 ] لأنه منه لا مبطل كما مر ( الخروج إلا لحاجة الإنسان ) طبيعية كبول وغائط وغسل لو احتلم ولا يمكنه الاغتسال في المسجد كذا في النهر ( أو ) شرعية كعيد وأذان لو مؤذنا وباب المنارة خارج المسجد و ( الجمعة وقت الزوال ومن بعد منزله ) أي معتكفه ( خرج في وقت يدركها ) [ ص: 446 ] مع سنتها يحكم في ذلك رأيه ، ويستن بعدها أربعا أو ستا على الخلاف ، ولو مكث أكثر لم يفسد لأنه محل له وكره تنزيها لمخالفة ما التزمه بلا ضرورة .

التالي السابق


( قوله وحرم إلخ ) لأنه إبطال للعبادة وهو حرام - { ولا تبطلوا أعمالكم } - بدائع ( قوله أما النفل ) أي الشامل للسنة المؤكدة ح .

قلت : قدمنا ما يفيد اشتراط الصوم فيها بناء على أنها مقدرة بالعشر الأخير ومفاد التقدير أيضا اللزوم بالشروع تأمل ثم رأيت المحقق ابن الهمام قال : ومقتضى النظر لو شرع في المسنون أعني العشر الأواخر بنيته ثم أفسده أن يجب قضاؤه تخريجا على قول أبي يوسف في الشروع في نفل الصلاة تناوبا أربعا لا على قولهما ا هـ أي يلزمه قضاء العشر كله لو أفسد بعضه كما يلزمه قضاء أربع لو شرع في نفل ثم أفسد الشفع الأول عند أبي يوسف ، لكن صحح في الخلاصة أنه لا يقضي لا ركعتين كقولهما نعم اختار في شرح المنية قضاء الأربع اتفاقا في الراتبة كالأربع قبل الظهر والجمعة وهو اختيار الفضلي وصححه في النصاب وتقدم تمامه في النوافل وظاهر الرواية خلافه وعلى كل فيظهر من بحث ابن الهمام لزوم الاعتكاف [ ص: 445 ] المسنون بالشروع وإن لزوم قضاء جميعه أو باقيه مخرج على قول أبي يوسف أما على قول غيره فيقضي اليوم الذي أفسده لاستقلال كل يوم بنفسه وإنما قلنا أي باقيه بناء على أن الشروع ملزم كالنذر وهو لو نذر العشر يلزمه كله متتابعا ، ولو أفسد بعضه قضى باقيه على ما مر في نذر صوم شهر معين .

والحاصل أن الوجه يقتضي لزوم كل يوم شرع فيه عند هما بناء على لزوم صومه بخلاف الباقي لأن كل يوم بمنزلة شفع من النافلة الرباعية وإن كان المسنون هو اعتكاف العشر بتمامه تأمل ( قوله لأن منه ) اسم فاعل من أنهى ا هـ ح أي متمم للنفل ( قوله كما مر ) أي من قول المصنف وأقله نفلا ساعة ( قوله الخروج ) أي من معتكفه ولو مسجد البيت في حق المرأة ط فلو خرجت منه ولو إلى بيتها بطل اعتكافها لو واجبا وانتهى لو نفلا بحر ( قوله إلا لحاجة الإنسان إلخ ) ولا يمكث بعد فراغه من الطهور ولا يلزمه أن يأتي بيت صديقه القريب .

واختلف فيما لو كان له بيتان فأتى البعيد منهما قيل فسد وقيل : لا ينبغي أن يخرج على القولين ما لو ترك بيت الخلاء للمسجد القريب وأتى بيته نهر ولا يبعد الفرق بين الخلافية وهذه لأن الإنسان قد لا يألف غير بيته رحمتي أي فإذا كان لا يألف غيره بأن لا يتيسر له إلا في بيته فلا يبعد الجواز بلا خلاف وليس كالمكث بعدها ما لو خرج لها ثم ذهب لعيادة مريض أو صلاة جنازة من غير أن يكون خرج لذلك قصدا فإنه جائز كما في البحر عن البدائع ( قوله طبيعية ) حال أو خبر لكان محذوفة أي سواء كانت طبيعية أو شرعية وفسر ابن الشلبي الطبيعية بما لا بد منها وما لا يقضى في المسجد ( قوله وغسل ) عده من الطبيعية تبعا للاختيار والنهر وغيرهما وهو موافق لما علمته من تفسيرها وعن هذا اعترض بعض الشراح تفسير الكنز لها بالبول والغائط بأن الأولى تفسيرها بالطهارة ومقدماتها ليدخل الاستنجاء والوضوء والغسل لمشاركتها لهما في الاحتياج وعدم الجواز في المسجد ا هـ فافهم ( قوله ولا يمكنه إلخ ) فلو أمكنه من غير أن يتلوث المسجد فلا بأس به بدائع أي بأن كان فيه بركة ماء أو موضع معد للطهارة أو اغتسل في إناء بحيث لا يصيب المسجد الماء المستعمل ، قال في البدائع : فإن كان بحيث يتلوث بالماء المستعمل يمنع منه لأن تنظيف المسجد واجب ا هـ والتقييد بعدم الإمكان يفيد أنه لو أمكن كما قلنا فيخرج أنه يفسد وهل يجري فيه الخلاف المار فيما لو كان له بيتان فأتى البعيد منهما محل نظر لأن ذاك بعد الخروج ، وفرق بينه وبين ما قبله بدليل ما مر ، من أنه بعده له الذهاب لعيادة مريض .

لكن قول البدائع لا بأس به ربما يفيد الجواز فتأمل ( قوله أو شرعية ) عطف على طبيعية ولفظة أو من المتن والواو في والجمعة من الشرح . ا هـ . ح ( قوله وعيد ) أفاد صحة النذر بالاعتكاف في الأيام الخمسة المنهية وفيه الاختلاف السابق في نذر صومها لأن الصوم من لوازم الاعتكاف الواجب ، فعلى رواية محمد عن الإمام يصح لكن يقال له اقض في وقت آخر ويكفر اليمين إن أراد وإن اعتكف فيها صح وعلى رواية أبي يوسف عنه لا يصح نذره كالنذر بالصوم فيها بدائع ( قوله لو مؤذنا ) هذا قول ضعيف والصحيح أنه لا فرق بين المؤذن وغيره كما في البحر والإمداد ح ( قوله وباب المنارة خارج المسجد ) أما إذا كان داخله فكذلك بالأولى قال في البحر : وصعود المئذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد وإلا فكذلك في ظاهر الرواية ا هـ ولو قال الشارح وأذان ولو غير مؤذن وباب المنارة خارج المسجد لكان أولى ح .

[ ص: 446 ] قلت : بل ظاهر البدائع أن الأذان أيضا غير شرط فإنه قال : ولو صعد المنارة لم يفسد بلا خلاف وإن كان بابها خارج المسجد لأنها منه لأنه يمنع فيها من كل ما يمنع فيه من البول ونحوه فأشبه زاوية من زوايا المسجد ا هـ لكن ينبغي فيما إذا كان بابها خارج المسجد أن يقيد بما إذا خرج للأذان لأن المنارة وإن كانت من المسجد ، لكن خروجه إلى بابها لا للأذان خروج منه بلا عذر وبهذا لا يكون كلام الشارح مفرعا على الضعيف ويكون قوله وباب المنارة إلخ جملة حالية معتبرة المفهوم فافهم ( قوله مع سنتها ) أي ومع الخطبة كما في البدائع ، ولم يذكره للعلم به لأن السنة تكون قبل خروج الخطيب ، ولم يذكر تحية المسجد أيضا مع ذكرهم لها هنا لأنه ضعيف إذا صرحوا بأنه إذا شرع في الفريضة حين دخل المسجد أجزأه عن تحية المسجد لحصولها بذلك فلا حاجة إلى تحية غيرها وكذا لو شرع في السنة كذا في البحر تبعا للفتح لكن نقل الخير الرملي على خط العلامة المقدسي أنه لا شك أن صلاة التحية بالاستقلال أفضل من الإتيان بها في ضمن الفريضة ولا يخفى أن من يعتكف ويلازم باب الكريم إنما يروم ما يوجب له مزيد التفضيل والتكريم ا هـ فافهم ( قوله على الخلاف ) أي أربعا عنده وستا عندها بدائع قال في البحر : وقد ظهر بهذا أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة بنية آخر ظهر عليه لا أصل لها في المذهب لنصهم هنا على أنه لا يصلي إلا السنة البعدية ولأن من اختارها من المتأخرين اختارها للشك في سبق جمعته بناء على عدم جواز تعددها في مصر ، وقد نص الإمام السرخسي على أن الصحيح من المذهب الجواز ، فلا ينبغي الإفتاء بها في زماننا لأنهم تطرقوا منها إلى التكاسل عن الجمعة وظن أنها غير فرض ، وأن الظهر كاف عنها واعتقاد ذلك كفر ا هـ ملخصا .

قلت : وفي هذا الظهور خفاء لأن الأصل عدم تعدد الجمعة ، وليس في كل البلاد فليكن اقتصارهم على بيان السنة مبنيا على ذلك ولأن المعتكف لا يلزم أن يأتي بها في مسجد الجمعة بل يأتي بها في معتكفه وكون الصحيح جواز التعدد لا ينافي استحباب تلك الأربع خروجا من الخلاف القوي الواقع في مذهبنا ومذهب الغير ، وقدمنا في باب الجمعة التصريح عن النهر وغيره بأنه لا شك في استحبابها وكون الأولى أن لا يفتى بها في زماننا لما ذكره لا يلزم منه عدم الإتيان بها ممن لا يخشى منه ذلك كما مر هناك مبسوطا عن المقدسي وغيره فتذكره بالمراجعة فافهم ( قوله ولو مكث أكثر ) كيوم وليلة أو أتم اعتكافه فيه سراج ( قوله لأنه محل له ) أي مسجد الجمعة محل للاعتكاف وفيه إشارة إلى الفرق بين هذا وبين ما لو خرج لبول أو غائط ودخل منزله ومكث فيه حيث يفسد كما مر وفي البدائع وما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الرخصة في عيادة المريض وصلاة الجنازة فقد قال أبو يوسف : ذلك محمول على اعتكاف التطوع ويجوز حمل الرخصة على ما لو خرج لوجه مباح كحاجة الإنسان أو الجمعة وعاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن يخرج لذلك قصدا وذلك جائز ا هـ وبه علم أنه بعد الخروج لوجه مباح إنما يضر المكث لو في غير مسجد لغير عيادة ( قوله لمخالفة ما التزمه ) أي من الاعتكاف في المسجد الأول لأنه لما ابتدأ الاعتكاف فيه ، فكأنه عينه لذلك فكره تحوله عنه مع إمكان الإتمام فيه بدائع .

قلت : ولعله لم يتعين بناء على أنه لا يتعين الزمان والمكان في النذر كما مر وعدم جواز الخروج منه بلا عذر لا لتعينه بل لأن الخروج مضاد لحقيقة الاعتكاف الذي هو اللبث والإقامة . [ تتمة ]

لم يذكر جواز خروجه لجماعة ، وقدمنا عن النهر والفتح ما يفيده ويأتي في كلامه ما يفيده أيضا وفي البحر عن البدائع : لو أحرم بحج أو عمرة أقام في اعتكافه إلى فراغه منه ، فإن خاف فوت الحج يحج ثم يستقبل الاعتكاف [ ص: 447 ] لأن الحج أهم وإنما يستقبله لأن هذا الخروج وإن وجب شرعا فإنما وجب بعقده لم يكن معلوم الوقوع فلا يصير مستثنى في الاعتكاف ا هـ .




الخدمات العلمية