الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وفي لا يدخل دارا ) لم يحنث ( بدخولها خربة ) لا بناء بها أصلا ( وفي هذه الدار يحنث وإن ) صارت صحراء أو ( بنيت دارا أخرى بعد الانهدام ) لأن الدار اسم للعرصة والبناء وصف والصفة إنما تعتبر في المنكر لا المعين إلا إذا كانت شرطا أو داعية لليمين كحلفه على هذا الرطب فيتقيد بالوصف ( وإن جعلت ) بعد الانهدام بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا أو غلب عليها الماء فصارت ( نهرا لا ) يحنث وإن بنيت بعد ذلك ( كهذا البيت ) وكذا بيت بالأولى ( فهدم أو بني ) بيتا ( آخر ولو بنقص ) [ ص: 747 ] الأول لزوال اسم البيت ( ولو هدم السقف دون الحيطان فدخله حنث في المعين ) لأنه كالصفة ( لا في المنكر ) لأن الصفة تعتبر فيه كما مر وعزاه في البحر إلى البدائع ، لكن نظر فيه في النهر بأنه لا فرق حيث صلح للبيتوتة . قيد بهذه الدار لأنه لو أشار ولم يسم بأن قال : هذه حنث بدخولها على أي صفة كانت كهذا المسجد فخرب لبقائه مسجدا إلى يوم القيامة به يفتى ، ولو زيد فيه حصة فدخلها لم يحنث ما لم يقل مسجد بني فلان فيحنث وكذلك الدار لأنه عقد يمينه على الإضافة ، وذلك موجود في الزيادة بدائع بحر .

التالي السابق


( قوله لا بناء بها أصلا ) قيد به تبعا للفتح حيث قال : وهذا هو المراد فإنه قال في مقابله فيما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما صارت صحراء حنث وإنما تقع المقابلة بين المعين والمنكر في الحكم إذا توارد حكمها على محل فأما إذا دخل بعدما زال بعض حيطانها فهذه دار خربة فينبغي أن يحنث في المنكر إلا أن تكون له نية . ا هـ . ( قوله لأن الدار اسم للعرصة ) أي أنها في اللغة اسم للعرصة التي ينزل بها أهلها وإن لم يكن بها بناء أصلا لأنهم كانوا ا يضعون فيها الأخبية لا أبنية الحجر والمدر فصح أن البناء وصف فيها غير لازم بل اللازم فيها كونها قد نزلت غير أنها في عرف أهل المدن لا تقال إلا بعد البناء فيها ، ولو انهدم بعد ذلك بعضها قيل دار خراب فيكون الوصف جزء مفهومها ، فإن زالت بالكلية وعادت ساحة فالظاهر أن إطلاق اسم الدار عليها عرفا كهذه دار فلان مجاز باعتبار ما كان والحقيقة أن يقال كانت دارا فتح ( قوله والبناء وصف إلخ ) بيان لوجه الفرق بين الدار المنكرة والمعرفة أما البيت فلا فرق فيه كما يأتي ( قوله إنما تعتبر في المنكر ) لأنها هي المعرفة له لا في المعين ، لأن ذاته تتعرف بالإشارة فوق ما تتعرف بالصفة فتح ( قوله إلا إذا كانت شرطا ) في الذخيرة قالوا الصفة إذا لم تكن داعية إلى اليمين إنما لا تعتبر في المعين إذا ذكرت على وجه التعريف ، أما إذا ذكرت على وجه الشرط تعتبر وهو الصحيح ، ألا ترى أن من قال لامرأته : إن دخلت هذه الدار راكبة فهي طالق فدخلتها ماشية لا تطلق واعتبرت الصفة في المعين لما ذكرت على سبيل الشرط . ا هـ .

قلت : وقوله هذه إشارة للمرأة فاعل دخلت والدار مفعول ليصير قوله راكبة صفة للمعين بالإشارة وهو المرأة ( قوله أو داعية لليمين ) أي حاملة عليه فإن الامتناع عن أكل الرطب قد يكون لضرره ، فلا يحنث بعد صيرورته تمرا وسيأتي تمام الكلام عليه ( قوله وإن جعلت ) أي الدار المعرفة بالإشارة ( قوله أو بيتا ) في النهر عن المحيط : لو كانت دارا صغيرة فجعلها بيتا واحدا وأشرع بابه إلى الطريق أو إلى دار أخرى لا يحنث بدخولها لتبدل الاسم والصفة بحدوث أمر جديد . ا هـ . ( قوله لا يحنث ) لأنها لا تسمى دارا لحدوث اسم آخر لها ذخيرة ( قوله وإن بنيت بعد ذلك ) لأنه عاد اسم الدار بسبب جديد فنزل منزلة اسم آخر وكذا لو لم تبن لأنه لم يزل اسم المسجد ونحوه عنها يقال مسجد خراب وحمام خراب ذخيرة ( قوله وكذا بيتا بالأولى ) لأنه إذا اعتبر وصف البناء في معرفه ففي منكره أولى .

قال في البحر : فصار الحاصل أن البيت لا فرق فيه بين أن يكون منكرا أو معرفا فإذا دخله وهو صحراء [ ص: 747 ] لا يحنث لزوال الاسم بزوال البناء ، وأما الدار ففرق بين المنكرة والمعرفة . ا هـ . ( قوله لزوال اسم البيت ) أي بالانهدام لزوال مسماه وهو البناء الذي يبات فيه بخلاف الدار لأنها تسمى دارا ولا بناء فيها فتح . وفي الذخيرة قال قائلهم :

الدار دار وإن زالت حوائطها والبيت ليس ببيت بعد تهديم

( قوله لأنه كالصفة ) الضمير للسقف قال في الهداية : يحنث لأنه : يبات فيه والسقف وصف فيه . ا هـ . وفي الذخيرة لأن اسم البيت لم يزل عنه لإمكان البيتوتة فيه أو نقول اسم البيت ثابت لهذه البقعة لأجل الحيطان والسقف جميعا فإذا زال السقف فقد زال الاسم من وجه دون وجه ، فلا تبطل اليمين بالشك وقياس الأول يحنث في المنكر أيضا لأن اسم البيت لم يزل ، وعلى قياس الثاني لا يحنث لأنه بيت من وجه ، والحاجة هنا إلى عقد اليمين فلا ينعقد عليه بالشك بخلاف المعين فإن اليمين كانت منعقدة على هذه العين فلا تبطل بالشك ا هـ ملخصا ( قوله وعزاه في البحر إلى البدائع إلخ ) أي عزا ما ذكر في المنكر ، ومقتضى ما نقلناه عن الذخيرة أن الحكم فيه غير منقول وإنما هو تخريج مبني على اختلاف التعليل في المعرف ، فما في البدائع أحد وجهين والوجه الآخر ما بحثه في النهر فافهم ( قوله حنث بدخولها على أي صفة كانت ) أي دارا أو مسجدا أو حماما لانعقاد اليمين على العين دون الاسم والعين باقية ذخيرة ( قوله كهذا المسجد ) أي فإنه يحنث بدخوله على أي صفة كان ط ( قوله به يفتى ) خلافا لقول محمد إنه إذا خرب واستغني عنه يعود إلى ملك الباقي أو ورثته ط عن الإسعاف ( قوله لم يحنث ) لأن اليمين وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها بحر ( قوله وكذلك الدار ) أي لو زيد فيها حصة ( قوله وذلك ) أي ما عقد يمينه عليه موجود في الزيادة .

قلت : وهذا الفرع يؤيد القول بأن ما زيد في مسجده صلى الله عليه وسلم له فضيلة أصل المسجد الواردة في حديث { وصلاة في مسجدي } وقدمنا تمام الكلام على ذلك في الصلاة .




الخدمات العلمية