الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 290 ] ( ولو قال امرأتي طالق وله امرأتان أو ثلاث تطلق واحدة منهن وله خيار التعيين ) اتفاقا . وأما تصحيح الزيلعي فإنما هو في غير الصريح كامرأتي حرام كما حرره المصنف وسيجيء في الإيلاء

التالي السابق


( قوله وأما تصحيح الزيلعي إلخ ) رد على صاحب الدرر حيث ذكر ما ذكره المصنف وقال هو الصحيح ، احترازا عما قيل يقع على كل واحدة طلاق ، وعزاه إلى إيلاء الزيلعي .

واعتراضه في المنح بأن عبارة الزيلعي هكذا وذكر في الفتاوى : إذا قال لامرأته أنت علي حرام والحرام عنده طلاق ولكن لم ينو الطلاق وقع الطلاق ، ولو كان له أربع نسوة والمسألة بحالها تقع على كل واحدة منهن طلقة بائنة ، وقيل تطلق واحدة منهن ، وإليه البيان وهو الأظهر والأشبه .

وفي إيلاء الفتح والبحر أن في المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام ، وإن كان له أكثر من زوجة واحدة تقع على كل تطليقة واحدة ، بخلاف الصريح نحو : امرأته طالق وله أكثر من واحدة فلا تقع إلا واحدة . وأجابالأوزجندي أنه لا يقع إلا على واحدة وهو الأشبة ، وعزاه في البحر إلى البزازية والخلاصة والذخيرة . [ ص: 291 ]

وفي الفتح : الأشبه عندي ما في الفتاوى لأن قوله حلال الله أو حلال المسلمين يعم كل زوجة على سبيل الاستغراق كقوله هن طوالق لا البدل كإحداكن طالق ، وحيث وقع بهذا اللفظ وقع بائنا .

مطلب فيمن قال : امرأته طالق وله امرأتان أو أكثر تطلق واحدة

وفي الخانية : امرأته طالق وله امرأتان معروفتان له أن يصرف إلى أيتهما شاء ، ولم يحك خلافا فظهر أن التصحيح في غير الصريح كحلال المسلمين ونحوه لكونه يعم كل زوجة لا كما زعم في الدرر ا هـ كلام المنح ملخصا وسيأتي في الإيلاء عن النهر أن قول الزيلعي هنا والمسألة بحالها يعني التحريم ، لا بقيد أنت علي حرام مخاطبا لواحدة ، بل يجب فيه أن لا يقع إلا على المخاطبة . ا هـ .

أقول : والحاصل أنه لا خلاف في : امرأته طالق أن له أن يصرفه إلى أيتهما شاء خلافا لما في الدرر ، ولا في : أنت علي حرام أنه لا يقع إلا على المخاطبة فقط خلافا لما يوهمه كلام الزيلعي ، وإنما الخلاف فيما يعم كل زوجة على سبيل الاستغراق فاختار الأوزجندي أنه لا يقع إلا على واحدة فله صرفه إلى أيتهما شاء نظرا إلى أنه لفظ مفرد . واختار المحقق ابن الهمام أنه يقع على الكل لاستغراقه ، وهذا هو الظاهر ، ويدل على أن محل الخلاف ما قلنا إنه في الذخيرة حكاه في حلال المسلمين علي حرام ، وهو صريح تعليل الفتح . والظاهر أنه لا خلاف في كل حل علي حرام لأنه بعد التصريح بأداة العموم لا يمكن حمله على فرد خاص ، بخلاف العموم المستفاد من الإضافة ويظهر لي أن عدم الخلاف في الصريح لا لخصوص صراحته بل لكونه بلفظ امرأتي الذي عمومه بدلي : أي صادق على واحدة لا بعينها أي واحدة كانت مثل قوله إحداهن طالق ، حتى لو كان الصريح بلفظ عمومه استغراقيا مثل : حلال الله طالق أو من يحل لي طالق ، أو من في عقد نكاحي طالق ، جرى فيه الخلاف المذكور وكان فيه ترجيح ابن الهمام أظهر ويظهر من هذا أن قوله امرأتي حرام لا يتأتى فيه الخلاف المذكور ، لما علمت من أن عمومه بدلي لا استغراقي فهو مثل امرأتي طالق ، وبه ظهر أن حمل الشارح تصحيح الزيلعي على امرأتي حرام غير مناسب للمقام ، وقوله كما حرره المصنف إلخ فيه أنه مخالف لما قدمناه عن المصنف من قوله فظهر أن التصحيح في غير الصريح كحلال المسلمين ونحوه لكونه يعم كل زوجة فالذي حرره المصنف هو الحمل على العام الاستغراقي كما اختاره ابن الهمام فافهم . ويظهر مما قررناه أيضا أن قوله علي الطلاق كما هو الشائع في زماننا مثل قوله امرأتي طالق لأن معناه كما مر إن فعلت كذا لزم الطلاق ووقع . ولا يخفى أن هذا محتمل لأنه يكون المراد لزم الطلاق من امرأة أو من أكثر ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فينبغي أن يثبت له صرفه إلى من شاء ، وينبغي أن يكون قوله علي الحرام كذلك لأن معناه إن فعل كذا فامرأته حرام عليه .

[ تنبيه ] لا فرق في ذلك بين المعلق والمنجز ، وكذا لا فرق بين حلفه مرة أو أكثر ، فله صرف الأكثر إلى واحدة . ففي البزازية عن فوائد شيخ الإسلام قال : حلال الله عليه حرام إن فعل كذا وفعله وحلف بطلاق امرأته إن فعل كذا وفعله وله امرأتان فأراد أن يصرف هذين الطلاقين في واحدة منهما أشار في الزيادات إلى أنه يملك ذلك ا هـ لكن إذا بانت إحداهما قبل وقوع الثاني ليس له صرفه إليها .

ففي البزازية أيضا من كتاب الأيمان : إن فعلت كذا فامرأته طالق وله امرأتان أو أكثر طلقت واحدة وإليه البيان ، وإن طلق إحداهما بائنا أو رجعيا ومضت عدتها ثم وجد الشرط تعينت الأخرى للطلاق وإن كان لم تنتقض العدة فالبيان إليه . ا هـ . [ ص: 292 ] بقي شيء ، وهو ما لو كان الطلاق ثلاثا فهل له أن يوقع على كل واحدة طلقة أم لا بد أن يجمع الثلاث على واحدة وعلى الأول فهل تكون كل واحدة من الثلاث بائنة لئلا يلغو وصف البينونة وهي صفة الأصل ، أو تكون رجعية نظرا للواقع .

ورأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني عن المنية : لو كان لرجل ثلاث نساء فقال امرأتي طالق ثلاث تطليقات يقع ثلاث لكل واحدة . وعند أبي حنيفة لكل واحدة منهم طلاقا بائنا وهو الأصح ا هـ وفيه مخالفة لما قدمناه من أنه لا خلاف في أن له صرفه إلى من شاء فليتأمل




الخدمات العلمية