الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        30280 - قال مالك ، في رجل باع من رجل متاعا ، فأفلس المبتاع ، فإن البائع إذا وجد شيئا من متاعه بعينه ، أخذه ، وإن كان المشتري قد باع بعضه ، وفرقه ، فصاحب المتاع أحق به من الغرماء ، لا يمنعه ما فرق المبتاع منه ، أن يأخذ ما وجد بعينه ، فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا ، فأحب أن يرده ويقبض ما وجد من متاعه ، ويكون فيما لم يجد إسوة الغرماء ، فذلك له .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30281 - قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين الفقهاء القائلين بأن البائع أحق بغير ماله في الفلس أنه أحق أيضا بما وجد عنه إذا كان المشتري قد باع ذلك أو فوته [ ص: 27 ] بوجوه الفوت ; لأن الذي وجد من سلعته هو عين ماله ، لا شك فيه ; لأنه قطعة منه .

                                                                                                                        30282 - قال مالك : فيمن وجد نصف سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ، قال : أرى أن يأخذها بنصف الثمن ، ويحاص الغرماء في النصف الثاني .

                                                                                                                        30283 - وكذلك قال الشافعي ، قال : لو كانت السلعة عبدين بمائة ، فقبض نصف الثمن ، وبقي أحد العبدين ، وقيمتهما سواء كان له نصف الثمن ، أو النصف الذي قبض ، ثمن الهالك كما لو رهنهما بمائة ، فقبض تسعين ، فهلك أحدهما كان الآخر رهنا بعشرة .

                                                                                                                        30284 - هكذا روى المزني .

                                                                                                                        30285 - وروى الربيع عنه ، قال : لو كانا عبدين ، أو ثوبين فباعهما بعشرين قبض عشرة ، وبقي من ثمنهما عشرة كان شريكا فيها بالنصف ، يكون نصفهما له ، والنصف للغرماء يباع في دينه .

                                                                                                                        30286 - وجملة قول الشافعي أنه لو بقي من ثمن السلعة في التفليس درهم لم يرجع من السلعة إلا بقدر الدرهم .

                                                                                                                        30287 - ومعناه أن ما بقي في يد المشتري المفلس عين مال البائع وقيمته بمقدار ما بقي له من الثمن الذي من أجله جعل له أخذه ، فله أخذه دون سائر غرماء المفلس .

                                                                                                                        [ ص: 28 ] [ ص: 29 ] [ ص: 30 ] [ ص: 31 ] [ ص: 32 ] 30288 - وقال أشهب ، عن مالك ، عن رجل باع من رجل عبدين بمائة دينار وانتقد من ذلك خمسين ، وبقيت على الغريم خمسون ، ثم أفلس غريمه ، فوجد عنده أحد عبديه ، وفاته الآخر ، فأراد أخذه بالخمسين التي بقيت له على غريمه ، وقال : الخمسون التي أخذت ثمن العبد الذاهب ، وقال الغرماء : بل الخمسون التي أخذت ثمن هذا .

                                                                                                                        فقال مالك : إذا كان العبدان سواء ، رد نصف ما قبض ، ولك خمسة وعشرون دينارا ، وأخذ العبد ، وذلك أنه اقتضى من ثمن كل عبد خمسة وعشرين دينارا .

                                                                                                                        [ ص: 33 ] 30289 - قال : ولو كان باعه عبدا واحدا بمائة دينار ، فاقتضى من ثمنه خمسين رد الخمسين إن أحب وأخذ العبد .

                                                                                                                        30290 - قال أشهب : وكذلك العمل في روايا الزيت ، وغيرها على هذا القياس .

                                                                                                                        30291 - وقال الشافعي في مسألة أشهب عن مالك : العبد أحق به من الغرماء إذا كان قيمة العبدين سواء ; لأنه ماله بعينه وجده عند غريمه ، وقد أفلس ، والذي قبضه ، وثمن ما فات إذا كانت القيمة سواء كما لو باع عبدا واحدا ، وقبض نصف لبه ، كان ذلك النصف للغرماء وكان النصف الباقي له ، فإنه لم يقبض ثمنه ولا يرد شيئا مما أخذ ; لأنه مستوف لما أخذ .

                                                                                                                        30292 - وأما قول مالك في " الموطإ " : فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا ، فأحب أن يرده إلى آخر قوله . فقد خالفه الشافعي ، وغيره في ذلك ، فقالوا : ليس له أن يرده ، وإنما له أخذ ما بقي من سلعته ، لا غير ذلك ; لإجماعهم على أنه لو قبض ثمنها كله لم يكن له إليها سبيل ، فكذلك إذا أخذ ثمن بعضها لم يكن إلى ذلك البعض سبيل ، وليس له أن يرد بعض الثمن ، كما ليس له أن يرد جميعه ، لو قبضه .

                                                                                                                        30293 - وحجتهم حديث مالك في هذا الباب ، قوله : ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا .

                                                                                                                        20294 - وقال جماعة من أهل العلم : إذا قبض من ثمن سلعته شيئا ، لم يكن له أخذها ، ولا شيئا منها .

                                                                                                                        [ ص: 34 ] 30295 - وممن قال هذا : داود ، وأهل الظاهر أيضا ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        30296 - واختلف مالك ، والشافعي أيضا في المفلس يأبى غرماؤه دفع السلعة إلى صاحبها ، وقد وجدها بعينها ، ويريدون دفع الثمن إليه من قبل أنفسهم لما لهم في قبض السلعة من الفضل :

                                                                                                                        30297 - فقال مالك : ذلك لهم ، وليس لصاحب السلعة أخذها إذا دفع إليه الغرماء ثمنها .

                                                                                                                        30298 - وقال الشافعي : ليس للغرماء هذا مقال : قال : وإذا لم يكن للمفلس ، ولا لورثته أخذ السلعة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل صاحبها أحق بها منهم ، والغرماء أبعد من ذلك ، وإنما الخيار لصاحب السلعة إن شاء أخذها ، وإن شاء تركها ، وضرب مع الغرماء بثمنها .

                                                                                                                        30299 - وبهذا قال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وجماعة .

                                                                                                                        30300 - واختلف قول مالك ، والشافعي أيضا في المفلس يموت قبل الحكم عليه ، وقبل توقيفه :

                                                                                                                        30301 - فقال مالك : ليس حكم المفلس كحكم الموت ، وبائع السلعة إذا وجدها بعينها إسوة الغرماء في الموت بخلاف الفلس .

                                                                                                                        30302 - وبهذا قال أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        30303 - وحجة من قال بهذا القول حديث ابن شهاب المذكور في أول هذا الباب عن أبي بكر بن عبد الرحمن ; لأنه حديث نص فيه على الفرق بين الموت ، [ ص: 35 ] والفلس وهو قاطع لموضع الخلاف .

                                                                                                                        30304 - ومن جهة القياس بينهما فرق آخر; وذلك أن المفلس يمكن أن تطرأ له ذمة ، وليس الميت كذلك .

                                                                                                                        30305 - وقال الشافعي : الموت والفلس سواء ، وصاحب السلعة أحق بها إذا وجدها بعينها في الوجهين جميعا .

                                                                                                                        30306 - وحجة من قال بهذا القول حديث ابن أبي ذئب المذكور في هذا الباب ، وفيه : أن أبا هريرة ، قال : قد قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما رجل مات ، أو أفلس ، فصاحب المتاع أحق به إذا وجده بعينه .

                                                                                                                        30307 - فجعل الشافعي ذكر الموت زيادة مقبولة ، وردت في حديث مسند ، وحديث ابن شهاب الصحيح فيه الإرسال .

                                                                                                                        30308 - قال أبو عمر : قد وصله عبد الرزاق على نص ما رواه أصحاب مالك وسائر أصحاب ابن شهاب ، وذكر فيه الذي ذكروا ، وذلك قوله : وإن مات الذي ابتاعه ، فصاحب المتاع إسوة الغرماء بعد ذكره حكم المفلس ، ففرق بين الموت ، والفلس ، فينبغي ألا تكون زيادة أبي المعتمر عن عمرو بن خلدة ، [ ص: 36 ] عن أبي هريرة في التسوية بين الميت ، والمفلس مقبولة ; لأنها قد عارضها ما يدفعها .

                                                                                                                        30309 - والأصل أن كل مبتاع أحق بما ابتاعه حياته وموته ، وأن ذلك موزون عنده شيء من ذلك بدليل لا معارض له ، ولم يوجد ذلك إلا فيمن وجد عين ماله عند مفلس .

                                                                                                                        30310 - هذا هو الذي لم تختلف فيه الآثار المرفوعة ، وما عداها ، فمصروف إلى الأصل المجتمع عليه ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية