الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 49 ] 30364 - قال مالك : لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئا من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ، ممن أسلفه ذلك ، أفضل مما أسلفه ، إذا لم يكن ذلك على شرط منهما ، أو عادة ، فإن كان ذلك على شرط ، أو وأي ، أو عادة ، فذلك مكروه ، ولا خير فيه ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى جملا رباعيا خيارا مكان بكر استسلفه ، وأن عبد الله بن عمر استسلف دراهم ، فقضى خيرا منها ، فإن كان ذلك على طيب نفس من المستسلف ، ولم يكن ذلك على شرط ولا وأي ولا عادة ، كان ذلك حلالا لا بأس به .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30365 - قال أبو عمر : لا أعلم خلافا فيمن اشترط للزيادة في السلف أنه ربا حرام ، لا يحل أكله ، وأما العادة ، فيكره ذلك عند الشافعي ، والكوفيين ، ولا يرون ذلك حراما ; لأنه معروف ، إذا وقع ، ولا تعلم صحته ما لم يقع ; لأن العادة تقطع دونها وأن اختلاف الأموال ، ومن حكم بذلك استعمل الظن ، وحكم بغير اليقين ، فالأحكام إنما هي على الحقائق ، لا على الظنون ، ومن تورع عن ذلك نال فضلا ، والله أعلم .

                                                                                                                        30366 - ومن هذا الباب أكل هدية الغريم ، واختلاف الفقهاء فيه على نحو ما ذكرنا .

                                                                                                                        [ ص: 50 ] 30367 - قال مالك : لا يصلح أن يقبل هدية تحريمه إلا أن يكون ذلك بينهما معروفا قبل ذلك ، وهو يعلم أن ليس هديته إليه لمكان دينه .

                                                                                                                        30368 - وقال الثوري مثل ذلك .

                                                                                                                        30369 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما : إن اشترط في السلف زيادة كان حراما ، وإن اشترط على الغريم هدية كان حراما ، ولا بأس أن يقبل هديته بغير شرط .

                                                                                                                        30370 - قالوا : وكل قرض جر منفعة ، لا خير فيه .

                                                                                                                        30371 - وروي عن إبراهيم مثله .

                                                                                                                        30372 - قال الطحاوي : وهذا عندهم إذا كانت المنفعة مشروطة ، وأما إذا أهدى إليه من غير شرط ، أو أكل عنده ، فلا بأس عندهم .

                                                                                                                        30373 - وقال الليث بن سعد : أكره أن يقبل هديته ، أو يأكل عنده .

                                                                                                                        30374 - وقال عبيد الله بن الحسن : لا بأس أن يأكل الرجل هدية غريمه .

                                                                                                                        30375 - وقال الشافعي : لا بأس أن يقضيه أجود من دينه ، أو دونه إذا تراضيا ذلك .

                                                                                                                        30376 - قال أبو عمر : اختلف السلف ، والخلف في هذه المسألة ، وعلى [ ص: 51 ] حسب ذلك كان اختلاف الخلف من الفقهاء فيها .

                                                                                                                        30377 - فروي عن أبي بن كعب ، وعبد الله بن سلام أنهما كرها كل هدية الغريم .

                                                                                                                        30377 م - وروى نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان صديق يسلفه ، وكان عبد الله بن عمر يهدي له .

                                                                                                                        30378 - وروى شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنس ، قال : إذا أقرضت رجلا قرضا ، فلا تركب دابته ، ولا تقبل هديته إلا أن يكون قد جرت بينك وبينه قبل ذلك مخالطة .

                                                                                                                        30379 - وروي عن ابن عباس فيها رخصة .

                                                                                                                        30380 - وفي هذا الباب حديث مسند جيد وهو حجة ، وملجأ لمن قال به .

                                                                                                                        [ ص: 52 ] 30381 - قال أبو عمر : قال : حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال حدثني عبد الله بن نمير ، قال : حدثني يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، قال : حدثني أبو صخر ; جامع بن شداد ، عن طارق المحاربي ، قال : لما ظهر الإسلام خرجنا في ركب ، ومعنا ظعينة لنا ، حتى نزلنا قريبا من المدينة فبينا نحن قعود إذ أتى رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم ، ثم قال : من أين أقبل القوم ؟ فقلنا له : من الربذة ، ومعنا جمل أحمر أتبيعوني الجمل ؟ قال : قلنا : نعم ، قال : بكم ؟ قلنا : بكذا ، أو كذا صاعا من تمر ، فأخذه ولم يعطنا شيئا ، قال : قد أخذته ، وأخذ برأس الجمل حتى توارى بحيطان المدينة .

                                                                                                                        قال : فتلاومنا فيما بيننا ، قلنا : أعطيتم جملكم رجلا لا تعرفونه ، فقالت الظعينة : لا تلاوموا ، لقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم ، ما رأيت رجلا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه ، فلما كان العشي أتانا رجل ، فقال : السلام عليكم ، أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم ، وهو يأمركم أن تأكلوا حتى تشبعوا ، وأن تكتالوا حتى تستوفوا ، وأكلنا حتى شبعنا ، واكتلنا حتى استوفينا
                                                                                                                        .

                                                                                                                        30382 - ففي هذا الحديث إباحة أكل طعام من له عليه دين ، وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليطعم ما لا يحل .

                                                                                                                        [ ص: 53 ] 30383 - ويشهد لهذا حديث أبي رافع المذكور في صدر هذا الباب .

                                                                                                                        30384 - ومثله حديث أبي هريرة ، وقد ذكرناه في " التمهيد " .

                                                                                                                        30385 - وذلك كله يدل على أنه جائز لمن له دين على رجل من دين أقرضه ، أو بيع باعه أن يقبل منه ما زاد به بطيب نفسه ، شكرا لها ، وأن يأكل طعامه ، ويقبل هديته .

                                                                                                                        30386 - وما كان مثل ذلك كله ومثله ، فليس بربا .

                                                                                                                        30387 - وقضى الإجماع أن من اشترط شيئا من ذلك ، فهو ربا ، فكان الوجه الأول من الحلال البين ، والوجه الآخر من الحرام البين ، والحمد لله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية