الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6390 1 - حدثني يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب ، وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق ، وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعقيل بضم العين ابن خالد ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، ووقع في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث ، عن أبيه ، عن جده ، حدثني عقيل بن خالد قال : قال ابن شهاب : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم كما ذكرنا من طريق عقيل ، عن ابن شهاب ، وأخرجه ابن ماجه أيضا في الفتن ، من طريق عقيل عن الزهري .

                                                                                                                                                                                  وذكر الطبري أن من قبلنا اختلفوا في هذا الحديث ; فأنكر بعضهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ، قال عطاء : اختلف الرواة في أداء لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال محمد بن زيد بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وسئل عن تفسير هذا الحديث فقال : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يزنين مؤمن ، ولا يسرقن مؤمن ، وقال آخرون : عنى بذلك : لا يزني الزاني وهو مستحل للزنا غير مؤمن بتحريم الله ذلك عليه ، فأما إن زنى وهو معتقد تحريمه فهو مؤمن ، روى ذلك عكرمة عن مولاه ، وحجتهم فيه حديث أبي ذر يرفعه : من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق ، وقال آخرون : ينزع منه الإيمان ، فيزول عنه ، فيقال له : منافق وفاسق ، روي هذا عن الحسن ، قال : النفاق نفاقان تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا لا يغفر ، ونفاق خطايا وذنوب ، يرجى لصاحبه . وعن الأوزاعي : كانوا لا يكفرون أحدا بذنب ولا يشهدون على أحد بكفر ، ويتخوفون نفاق الأعمال على أنفسهم ، وقال آخرون : إذا أتى المؤمن كبيرة نزع منه الإيمان ، فإذا فارقها عاد إليه الإيمان ، وقال بعض الخوارج والرافضة والإباضية : من فعل شيئا من ذلك فهو كافر خارج عن الإيمان ; لأنهم يكفرون المؤمن بالذنب ، ويوجبون عليه التخليد في النار بالمعاصي ، وحجتهم ظاهر حديث أبي هريرة هذا ، وقال المهلب : قوله : " ينزع منه نور الإيمان " يعني ينزع نور بصيرته في طاعة الله ; لغلبة شهوته عليه ، فكأن تلك البصيرة نور طفته الشهوة من قلبه ، يشهد لهذا قوله عز وجل : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقيل : هذا من باب التغليظ ، أو معناه نفي الكمال ، وقال ابن عباس : المراد منه الإنذار بزوال الإيمان إذا اعتاده ، فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع [ ص: 266 ] فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حين يزني " ، قال الكرماني : كلمة " حين " متعلقة بما قبلها أو بما بعدها ، ثم قال : تحتملهما ; أي لا يزني في أي حين كان ، أو وهو مؤمن حين يزني ، وفيه تنبيه على جميع أنواع المعاصي ; لأنها إما بدنية كالزنا أو مالية ، إما سرا ، كالسرقة ، أو جهرا كالنهب ، أو عقلية كالخمر ; فإنها مزيلة له .

                                                                                                                                                                                  قوله : " نهبة " بضم النون ، وهو المال المنهوب ، وقال الكرماني : النهبة بالفتح مصدر ، وبضمها المال المنهوب ، يعني لا يأخذ الرجل مال غيره قهرا وظلما ، وهم ينظرون إليه ويتضرعون ، ويبكون ، ولا يقدرون على دفعه ، ثم قال : ما فائدة ذكر الأبصار ؟ فأجاب بأنه إخراج الموهوب المشاع والموائد العامة ، فإن رفعها لا يكون عادة إلا في الغارات ظلما صريحا . انتهى . وقيل : يحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك ، فيكون صفة لازمة للنهب ، بخلاف السرقة والاختلاس ، فإنه يكون في خفية ، والانتهاب أشد ; لما فيه من مزيد الجرأة وعدم المبالاة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية