الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6759 42 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرتها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم [ ص: 257 ] فقال: إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله " فأقضي له بذلك... " إلى آخر الحديث.

                                                                                                                                                                                  وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وصالح هو ابن كيسان .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في المظالم عن عبد العزيز بن عبد الله أيضا، وفي الشهادات وفي الأحكام عن القعنبي ، وفي الأحكام أيضا عن أبي اليمان ، وفي ترك الحيل عن محمد بن كثير ومضى الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (خصومة)، وفي رواية شعيب عن الزهري " جلبة " بفتح الجيم واللام وهو اختلاط الأصوات، وفي رواية الطحاوي " جلبة خصام عند بابه "، والخصام جمع خصيم كالكرام جمع كريم، وفي رواية مسلم : " جلبة خصم "، وله في رواية من طريق معمر عن هشام " لجبة " بتقديم اللام على الجيم وهي لغة في جلبة، ولم يعين أصحاب الجلبة، وفي رواية أبي داود " أتى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - رجلان يختصمان "، وأما الخصومة ففي رواية عبد الله بن رافع أنها كانت في مواريث لهما، وروى الطحاوي بسنده إلى عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: إنما أنا بشر... الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: (بباب حجرته)، وفي رواية مسلم " عند بابه "، والحجرة هي منزل أم سلمة ، وكانت الخصومة في مواريث وأشياء بينهما قد درست وليست لهما بينة، (فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم)، وفي رواية مسلم في رواية معمر " بباب أم سلمة ".

                                                                                                                                                                                  قوله: (إنما أنا بشر) ، البشر يطلق على الجماعة والواحد؛ يعني أنه منهم، والمراد أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختص بها في ذاته وصفاته، وقد ذكرت في شرح معاني الآثار في قوله: " إنما أنا بشر - أي: من البشر - ولا أدري باطن ما يتحاكمون فيه عندي ويختصمون فيه لدي، وإنما أقضي بينكم على ظاهر ما تقولون "، فإذا كان الأنبياء عليهم السلام لا يعلمون ذلك فغير جائز أن تصح دعوة غيرهم من كاهن أو منجم العلم، وإنما يعلم الأنبياء من الغيب ما أعلموا به بوجه من الوحي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلعل) استعمل استعمال عسى، وبينهما معاوضة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أبلغ من بعض) ؛ أي: أفصح في كلامه وأقدر على إظهار حجته، وفي رواية سفيان الثوري في ترك الحيل: " لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض " .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فأحسب أنه صادق) ، هذا يؤذن أن في الكلام حذفا تقديره: هو في الباطن كاذب. وفي رواية معمر " فأظنه صادقا ".

                                                                                                                                                                                  قوله: (فأقضي له بذلك) ؛ أي: أحكم له بما يذكره بظني أنه صادق، وفي رواية أبي داود من طريق الثوري : " فأقضي له عليه على نحو ما أسمع "، وفي رواية عبد الله بن رافع : " إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فمن قضيت له بحق مسلم ) ، وفي رواية مالك ومعمر " فمن قضيت له بشيء من حق أخيه " ، وفي رواية الثوري " فمن قضيت له من أخيه شيئا " وكأنه ضمن قضيت معنى أعطيت، وعند أبي داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه " فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه " .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فإنما هي) الضمير للحكومة التي تقع بينكم على هذا الوجه؛ يعني بحسب الظاهر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قطعة من النار) تمثيل يفهم منه شدة التعذيب، وهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى: إنما يأكلون في بطونهم نارا

                                                                                                                                                                                  قوله: (فليأخذها أو ليتركها) ، وفي رواية يونس : " فليحملها أو ليذرها "، وزاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث في رواية الطحاوي بعد أن قال: " فليأخذها أو ليدعها ": فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما حقي لأخي الآخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذ فعلتما هذا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه .

                                                                                                                                                                                  قوله: (توخيا الحق) ؛ أي: تحرياه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ثم استهما) ؛ أي: ثم اقترعا.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما معنى " أو " هنا؟ قلت: التخيير على سبيل التهديد، إذ معلوم أن العاقل لا يختار أخذ النار التي تحرقه.

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفوائد أن البشر لا يعلمون ما غيب عنهم وستر عن الضمائر ، وأن بعض الناس أدرى بمواضع الحجة وتصرف القول من بعض، وأن القاضي إنما يقضي على الخصم بما يسمع منه من إقرار وإنكار أو بينات على حسب ما أحكمته السنة في ذلك، وأن التحري جائز في أداء المظالم ، وأن الحاكم يجوز له الاجتهاد فيما لم يكن فيه نص، وأن الصلح على الإنكار جائز خلافا للشافعي - قاله أبو عمر ، وأن الاقتراع والاستهام جائز، وقال أبو عمر : قد احتج أصحابنا بهذا الحديث في رد حكم القاضي بعلمه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية