الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6478 11 - حدثنا عمرو بن زرارة، أخبرنا هشيم، أخبرنا حصين، حدثنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما يحدث قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة قال: فصبحنا القوم، فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول [ ص: 36 ] الله، إنما كان متعوذا، قال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للآية المذكورة تؤخذ من معنى قوله: "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ " بالتكرر، وفيه عظم قتل النفس المؤمنة ، وعمرو بن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى، ابن واقد الكلابي النيسابوري ، وهو شيخ مسلم أيضا، قال الكرماني : روى البخاري هذا الحديث بهذا الإسناد في المغازي قبيل غزوة الفتح، إلا أن ثمة عمرو بن محمد بدل ابن زرارة ، قلت: كلاهما من شيوخ البخاري .

                                                                                                                                                                                  قوله: "أخبرنا هشيم " هكذا في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره: "حدثنا هشيم " بضم الهاء وفتح الشين المعجمة، ابن بشير بضم الباء الموحدة، وفتح الشين المعجمة، الواسطي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أخبرنا حصين " هكذا في رواية أبي ذر ، والأصيلي ، وفي رواية غيرهما: حدثنا حصين بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن الواسطي ، من صغار التابعين، وأبو ظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة، وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون، واسمه حصين أيضا، ابن جندب المذحجي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبالجيم، وهو من كبار التابعين، وأسامة بن زيد بن حارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة: حب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وابن حبه، وابن مولاه، القضاعي بضم القاف وخفة الضاد المعجمة، وبالعين المهملة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلى الحرقة " بضم الحاء المهملة، وفتح الراء وبالقاف، قبيلة من جهينة ، وقال ابن الكلبي : سموا بذلك لوقعة كانت بينهم وبين بني مرة بن عوف بن سعد بن دينار ، فأحرقوهم بالسهام لكثرة من قتل منهم، وكان هذا البعث في رمضان سنة سبع أو ثمان.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فصبحنا القوم" أي أتيناهم صباحا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلما غشيناه" بفتح الغين المعجمة، وكسر الشين المعجمة، أي لحقنا به.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حتى قتلته" قال الكرماني : المقتول هو مرداس بكسر الميم، ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء، وبالكاف قلت: هذا قول الكلبي ، وقال أبو عمر : مرداس بن عمرو الفدكي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "متعوذا" نصب على الحال، قال الكرماني : أي لم يكن بذلك قاصدا للإيمان، بل كان غرضه التعوذ من القتل، وفي رواية الأعمش : قالها خوفا من السلاح، وفي رواية ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أسامة : إنما فعل ذلك ليحرز دمه، وقال الكرماني : كيف جاز تمني عدم سبق الإسلام؟ ثم أجاب بقوله: تمنى إسلاما لا ذنب فيه، أو ابتداء الإسلام ليجب ما قبله، وقال الخطابي : ويشبه أن أسامة قد أول قوله تعالى: فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وهو معنى مقالته "كان متعوذا"، ولذلك لم تلزمه ديته، وفي التوضيح: قتل أسامة هذا الرجل لظنه كافرا، وجعل ما سمع منه من الشهادة تعوذا من القتل، وأقل أحوال أسامة في ذلك أن يكون قد أخطأ في فعله، لأنه إنما قصد إلى قتل كافر عنده، ولم يكن عرف بحكمه صلى الله تعالى عليه وسلم فيمن أظهر الشهادة، وقال ابن بطال : كانت هذه القصة سبب تخلف أسامة أن لا يقاتل مسلما بعد ذلك، ومن ثمة تخلف عن علي رضي الله تعالى عنه في الجمل، وصفين .

                                                                                                                                                                                  قوله: "فما زال يكررها" أي يكرر مقالته "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله" كذا في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره "بعدما قال"، وفيه تعظيم أمر القتل بعدما يقول الشخص: لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                  قوله: "حتى تمنيت" إلخ، حاصل المعنى: إني تمنيت أن يكون إسلامي الذي كان قبل ذلك اليوم بلا ذنب، لأن الإسلام يجب ما قبله ، فتمنيت أن يكون ذلك الوقت أول دخولي في الإسلام لآمن من جريرة تلك الفعلة، ولم يرد أنه تمنى أن لا يكون مسلما قبل ذلك، وقد مر ما قاله الكرماني فيه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية