( حدثنا حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال : سألت عائشة أكان ) وفي رواية هل كان ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخص ) وفي رواية يختص ( من الأيام شيئا ) أي : بعمل نافلة كصلاة أو صوم ( قالت : كان ) وفي رواية قالت : [ ص: 132 ] لا كان ( عمله ديمة ) بكسر الدال مصدر بمعنى الدوام ، وأصله الواو ، فانقلبت ياء لكسرة ما قبلها ; وإنما جعلت على صيغة النوع لإفادة أنه كان له نوع دوام مخصوص ، فإن الديمة في الأصل المطر الذي لا رعد فيه ، ولا برق ، وفيه سكون ، وأقله ثلث الليل أو ثلث النهار ، وأكثره ما بلغ من العدة ثم شبه به غيره مما له دوام ، ولا قطع فيه ، ويكون ذلك مع الاقتصاد ، وحاصل المعنى أنه كان عمله دائما ، ووقوعه في محله لازما قال ابن التين : استدل به بعضهم على كراهة وأجاب تحري صيام يوم من الأسبوع الزين بن المنير بأن السائل في حديث عائشة ; إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أياما ، وأما ما ورد من تخصيصه من الأيام بالصيام ; فإنما خصص لأمر لا يشاركه في بقية الأيام كيوم عرفة ، وعاشوراء ، والأيام البيض ، وجميع ما عين لمعنى خاص ، وإنما سأل عن تخصيص يوم لكونه مثلا يوم السبت ، ويشكل على هذا الجواب صوم يوم الاثنين ، والخميس وقد وردت فيهما أحاديث ، وكأنها لم تصح على شرط ، فلهذا أبقى الترجمة على الاستفهام ; فإن ثبت فيهما ما يقتضي تخصيصا استثني من قول البخاري عائشة لا قلت ورد في صيام الاثنين والخميس عدة أحاديث صحيحة منها حديث عائشة أخرجه أبو داود والترمذي ، وصححه والنسائي من طريق ابن حبان الجرشي عنها ، ولفظه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صيام الاثنين والخميس ، وحديث كان يتحرى أسامة ، أخرجه رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم الاثنين والخميس فسألته ، فقال : إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ، النسائي وأبو داود وصححه ، فعلى هذا فالجواب على الإشكال أن يقال لعل المراد الأيام المسئول عنها الأيام الثلاثة من كل شهر فكان لما سمع أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم ثلاثة أيام ، ورغب في أنها تكون أيام البيض سأل ابن خزيمة عائشة يعني لو جعلها البيض لتعينت ، وداوم عليها ; لأنه كان يحب أن يكون عمله دائما لكن أراد التوسعة لعدم تعيينها فكان لا يبالي من أي الشهر صامها كما ثبت في صحيح هل كان يخصه بالبيض فقالت : لا كان عمله ديمة مسلم عن عائشة أيضا كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وما يبالي من أي الشهر صام ، وقد أورد حديث الباب وحديث ابن حبان عائشة في صيام الاثنين والخميس وحديث ، وأشار إلى أن بينها تعارضا ، ولم يفصح عن كيفية الجمع ، وقد فتح الله لذلك بفضله كذا ذكره كان يصوم حتى نقول لا يفطر العسقلاني في فتح الباري في شرح ، وقال شارح : فإن قيل الجواب في مقابلة السائل إما نعم أو لا قلنا هذا جواب بأبلغ الوجوه ; لأنه جواب عن السؤال المذكور ، وعن سؤال آخر مقدر لأن دوام العمل في أيام البيض ، ويوم الاثنين ويوم الخميس بالصوم يستلزم اختصاصه تلك الأيام بالصوم مع المداومة عليه ( وأيكم ) جزم البخاري ابن حجر تبعا للشارح أن الخطاب للصحابة ، وأن غيرهم يفهم بالأولى ، وهو غير صحيح ; لأن السائل من جملة التابعين ، فالأولى أن يقال المعنى وأي فرد من أفرادكم أيها الصحابة ، والتابعون أو الأئمة ( يطيق ما ) أي : العمل الذي ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيق ) أي : يطيقه ويداوم [ ص: 133 ] عليه من غير ضرر صلاة كان أو صوما أو نحوهما ، أو أيكم يطيق في العبادة كمية أو كيفية من خشوع وخضوع وإخلاص وحضور ما كان يطيقه مع قطع النظر عن المداومة ، والمواظبة .
قال ميرك : واعلم أن ظاهر الحديث إدامته - صلى الله عليه وسلم - العبادة ومواظبته على وظائفها ويعارضه ما صح عن عائشة أيضا مما يقتضي نفي المداومة وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي سلمة ، وعبد الله بن شقيق جميعا عائشة أنها سئلت عن صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : كان يصوم حتى نقول قد صام ، ويفطر حتى نقول قد أفطر . عن
وأخرج نحوه ، ويمكن الجمع بأن قولها البخاري معناه أن اختلاف حاله في الإكثار من الصوم ثم من الفطر كان مستمرا مستداما أو بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوظف على نفسه العبادة فربما يشغله عن بعضها شاغل ، فيقضيها على التوالي فيشتبه الحال على من يرى ذلك ، فقول كان عمله ديمة عائشة كان عمله ديمة منزل على التوظيف ، وقولها كنت لا تشاء تراه صائما إلا رأيته صائما منزل على الحالة الثانية ، وقيل معناه أنه كان لا يقصد ابتداء إلى يوم معين فيصومه بل إذا صام يوما بعينه كالخميس مثلا داوم على صومه كذا ذكره العسقلاني ، ولا يبعد أن يقال المراد بالدوام الغالب لا التمام أو كان يداوم إذا لم يخف المشقة على الأمة بالمتابعة أو عند عدم خشية الوجوب أو إذا لم يمنع مانع أو لم يحدث أمر أفضل مما كان يداوم عليه والله أعلم .
وأغرب الحنفي حيث قال عند قوله : وأيكم يطيق إلى آخره ; لأن الاستقامة على الشريعة صعبة جدا ، وبهذا الحديث ينكر ترك الأوراد والنوافل كما ينكر الفرائض ، ولذا قيل تارك الورد ملعون انتهى ، واستغرابه من وجوه لا يخفى .