( حدثنا حدثنا هارون بن إسحاق عبدة عن عن أبيه عن هشام بن عروة عائشة قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي امرأة ) زاد عبد الرزاق عن معمر عن هشام حسنة الهيئة ووقع في رواية مالك عن هشام أنها من بني أسد أخرجه ، البخاري ولمسلم من رواية عن الزهري عروة في هذا الحديث أنها الحولاء بالمهملة والمد ، وهو اسمها بنت تويت بمثناتين مصغرا ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى من رهط ( فقال : من هذه قلت : فلانة ) كناية عن كل علم مؤنث فهي غير منصرف للتأنيث والعلمية ذكره خديجة أم المؤمنين الكرماني ، وقال الرضي : يكنى بفلان وفلانة عن أعلام الأناسي خاصة ، فيجريان مجرى المكنى عنه فيكونان كالعلم فلا يدخلهما اللام ، ويمتنع صرف فلانة ولا يجوز تنكير فلان فلا يقال جاءني فلان وفلان آخر ( لا تنام الليل ) أي : تسهر في [ ص: 134 ] عبادة الله تعالى من صلاة وذكر وتلاوة ونحوها قال ميرك : ظاهر هذه الرواية أن المرأة كانت عند عائشة حين دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووقع في رواية عند الزهري مسلم أن الحولاء مرت به ، فيجمع بينهما بأنها كانت أولا عند عائشة فلما دخل - صلى الله عليه وسلم - عليها قامت كما في رواية أحمد بن سلمة عن هشام ولفظه : كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه يا عائشة فقلت هذه فلانة ، وهي أعبد أهل المدينة ، الحديث أخرجه في مسنده من طريق فيحتمل أنها قامت لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها ، وبهذا يجمع بين الروايات ثم ظاهر السياق أنها مدحتها في وجهها ، وفي مسند الحسن بن سفيان الحسن ما يدل على أنها قالت ذلك بعدما خرجت المرأة ، فيحمل رواية الكتاب عليه ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليكم ) أي : الزموا ، عبر بقوله عليكم مع أن الخطاب للنساء إيماء لتعميم الحكم بتغليب الذكور على الإناث ، والمعنى اشتغلوا ( من الأعمال ) أي : من النوافل ( ما تطيقون ) أي : العمل الذي تطيقون المداومة عليه من غير ضرر صلاة كان أو صوما أو غيرهما ، وفي نسخة مما تطيقونه فمتطوقه يقتضي الأمر بالاقتصاد والاختصار على ما يطاق من العبادة ، ومفهومه يقتضي النهي عن تكليف ما لا يطاق ، ولذا قيل فيه النهي عن إحياء الليل كله وقد أخذ به جماعة من العلماء ، وقالوا : يكره صلاة الليل كله ذكره ميرك ، قال القاضي : يحتمل أن يكون هذا خاصا بصلاة الليل ، وأن يكون عاما في سائر الأعمال الشرعية ، وقال العسقلاني : سبب وروده خاص بالصلاة ، ولكن عموم اللفظ هو المعتبر قال ميرك : ويمكن أن يؤخذ من هذا الكلام وجه مناسبة هذا الحديث ، والذي قبله والذي بعده بعنوان الباب انتهى ، وسيأتي له تحقيق آخر .
( فوالله ) فيه جواز الحلف من غير استحلاف إذا أريد به مجرد التأكيد ، وفي نسخة فإن الله ( لا يمل ) وفي أخرى لا يمل الله ( حتى تملوا ) بفتح الميم ، وتشديد اللام ، وفي رواية لا يسأم حتى تسأموا ، والمعنى واحد لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا عن سؤاله ، فتزهدوا في الرغبة إليه ، فإسناد الملال إلى ذي الجلال على تزيين المشاكلة وتحسين المقابلة ، وإلا فالملال استثقال الشيء ، ونفور النفس عنه بعد محبته ، وهو على الله تعالى باتفاق العلماء محال ، وقد صرح التوربشتي بأن هذا على سبيل المقابلة اللفظية مجازا كقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وقيل : وجهه أن الله تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع عن العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه ، وهذا أثبت الأقوال ، وقال البيضاوي : الملال فتور يلحق بالنفس من كثرة مزاولة الشيء فيوجب الكلال في الفعل والإعراض عنه ; وإنما يتصور في حق من يتغير ، فالمراد هنا بالملال ما يئول إليه أي : أن الله لا يعرض عنكم إعراض الملول ، ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي فيكم نشاط وأريحيته فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا أتيتم بالعبادة على وجه الفتور والملال كان معاملة الله فيكم معاملة الملول عنكم ، وقيل معناه لا يمل الله وتملون ، فحتى بمعنى الواو فنفى عنه الملل وأثبت لهم وجوده وتحققه ، وتوضيحه ما قال بعضهم : حتى هاهنا ليست على حقيقتها بل معناه [ ص: 135 ] لا يمل الله أبدا ، وإن مللتم ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى لا تنقطع خصومه أي : لا ينقطع بعد انقطاع خصومه بل يكون على ما كان عليه قبل ذلك ; لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية ، وقيل حتى بمعنى حين أي : لا يمل إذا مللتم ; لأنه منزه عن الملل ، وليس كما فهم ابن حجر ، ووهم بقوله إذ لو مل حين ملوا لم يمكن له عليهم مزية ، وفضل ثم قال : ويرد بأن هذا المعنى لا يناسب اللفظ أصلا ، والمزية والفضل عليهم واضحان لمن له أدنى بصيرة لكن جاء في بعض طرق الحديث بلفظ أخرجه اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ; فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل في تفسير سورة المزمل ، وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك مدرج من قول بعض رواة الحديث والله أعلم ، ذكره الطبري ميرك ، والمفهوم من الجامع الصغير أنه حديث مستقل ، ولفظه عليكم من الأعمال بما تطيقون ; فإن الله لا يمل حتى تملوا رواه عن الطبراني . عمران بن حصين
( وكان أحب ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) روي أحب بالرفع والنصب ، وكذا بالنسخ بالوجهين لكن في الأصل الأصيل بالنصب فقط فمحل قوله ( الذي يدوم عليه صاحبه ) مرفوع أو منصوب ، والمعنى ما يواظب عليه مواظبة عرفية ، وإلا فالمداومة الحقيقية الشاملة لجميع الأزمنة غير ممكنة ، ولا لأحد من الخلق عليه مقدرة .
قال شارح : وتبعه ابن حجر ، في الحديث دلالة على الحث على ، وكمال شفقته ، ورأفته عليه السلام بأمته ; لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم ، وهو مما يمكنهم المداومة عليه بلا مشقة وضرر ، وتكون النفس أنشط والقلب أشرح فتثمر العبادة بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق ; فإنه بصدد أن يتركه كله أو بعضه أو يفعله بكلفة أو بغير انشراح القلب ، فيفوته خير عظيم وقد ذم الله تعالى من الاقتصاد في العمل بقوله اعتاد عبادة ثم فرط ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها .