ولما كان موطنا يتشوف فيه السامع لهذا الكلام إلى جوابه؛ استأنف قوله - مخاطبا من لا يفهم هذه المجادلة حق فهمها غيره -: قل ؛ أي: لهذا الذي ضرب هذا المثل جهلا منه في قياسه من يقدر على كل شيء؛ على من لا يقدر على شيء؛ وأعاد فعل الإحياء نصا على المراد؛ دفعا للتعنت؛ ودلالة على الاهتمام؛ فقال: يحييها ؛ أي: من بعد أن بليت ثاني مرة؛ ولفت القول إلى وصف يدل على الحكم؛ فقال: الذي أنشأها ؛ أي: من العدم؛ ثم أحياها؛ أول مرة [ ص: 180 ] أي: فإن كل من قدر على إيجاد شيء أول مرة؛ فهو قادر على إعادته ثاني مرة؛ وهي شاهدة بأن الحياة تحل العظم؛ فيتنجس بالموت؛ مما يحكم بنجاسة ميتته؛ وهو بكل خلق ؛ أي: صنع؛ وتقدير؛ ممكن أن يخلق من ذلك ومن غيره ابتداء؛ وإعادة؛ عليم ؛ أي: بالغ العلم؛ فلا يخفى عليه أجزاء ميت أصلا؛ وإن تفرقت في البر والبحر؛ ولا شيء غير ذلك؛ فالآية من بديع الاحتباك: الإحياء أولا دال على مثله ثانيا؛ والإنشاء ثانيا دال على مثله أولا؛ و"أول مرة"؛ في الثاني دال على ثاني مرة في الأول؛ فهو على كل شيء قدير؛ كما برهن عليه في سورة "طـه"؛ فهو يوجد المقتضيات لكل ممكن يريده؛ ويرفع الموانع؛ فيوجد في الحال من غير تخلف أصلا؛ فقد بلغ هذا البيان في الدلالة على البعث الجسماني؛ والروحاني معا؛ النهاية التي ليس وراءها بيان؛ بعد أن وطأ له في هذه السورة نفسها بما لا يحتمل طعنا؛ بقوله: فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون من بعثنا من مرقدنا فإذا هم جميع لدينا محضرون إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون وامتازوا اليوم أيها المجرمون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون اليوم نختم [ ص: 181 ] على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون