فصل في أركان النكاح وتوابعها وهي خمسة : زوجان ، وولي ، وشاهدان ، وصيغة ، وقدمها لانتشار الخلاف فيها المستدعي لطول الكلام عليها فقال ( إنما ) ( وهو ) أن يقول العاقد ( زوجتك [ ص: 210 ] أو أنكحتك ) موليتي فلانة مثلا ( وقبول ) مرتبط بالإيجاب كما مر آنفا ( بأن يقول الزوج ) ومثله وكيله كما سيذكره ( تزوجت ) ها ( أو نكحت ) ها فلا بد من دال عليها من نحو اسم ، أو ضمير ، أو إشارة ( أو قبلت ) ، أو رضيت كما حكاه ( يصح النكاح بإيجاب ) ولو من هازل ومثله القبول ابن هبيرة الوزير عن إجماع الأئمة الأربعة ، وإن توقف فيه السبكي ، ومثله أحببت ، أو أردت كما قاله بعض المتأخرين ( نكاحها ) بمعنى إنكاحها ليطابق الإيجاب ولاستحالة معنى النكاح هنا إذ هو المركب من الإيجاب والقبول كما مر ( أو تزويجها ) ، أو النكاح ، أو التزويج لا قبلت ولا قبلتها ولا قبلته إلا في مسألة المتوسط على ما في الروضة لكن رده ، ولا يشترط فيها أيضا تخاطب ، فلو على ما اقتضاه كلامهما ، لكن جزم غير واحد بأنه لا بد من زوجته ، أو زوجتها ثم قال للزوج قبلت نكاحها فقال قبلته على ما مر ، أو تزوجتها فقال تزوجت صح ، ولا يكفي هنا نعم ونبه قال للولي زوجته ابنتك فقال زوجت الوالد رحمه الله تعالى على أنه لا بد أن يقول الولي : زوجتها لفلان ، فلو اقتصر على زوجتها لم يصح كما يؤخذ من مسألة الوكيل ، وأو في كلام المصنف للتخيير مطلقا إذ لا يشترط توافق اللفظين ، وما قيل من أنه كان ينبغي تقديم قبلت لأنه القبول الحقيقي ممنوع بل الكل قبول حقيقي شرعا ، وبفرض ذلك لا يرد عليه لأن غير الأهم قد يقدم لنكتة كالرد على مشكك ، أو مخالف فيه والتنظير في صحة تزوجت ، أو نكحت لتردده بين الإخبار والقبول ، وفي تعليق البغوي في قوله تزوجت قال أصحابنا : لا يصح لأنه إخبار لا عقد انتهى .
[ ص: 211 ] مردود لبنائه على الاكتفاء بمجرد تزوجت من غير نحو ضمير والأصح خلافه كما مر ، وحينئذ فما في التعليق صحيح لكن لخلوه عن ذلك الموجب لتمحضه للإخبار به ، أو قربه منه لا للتردد الذي ذكر لأن هذا إنشاء شرعا كبعت ولا يضر فتح تاء متكلم ولو من عارف كما أفتى به ابن المقري ، ولا ينافي ذلك عدهم كما مر في أنعمت بضم التاء وكسرها مخلا للمعنى ، لأن المدار في الصيغة على المتعارف في محاورات الناس ، ولا كذلك القراءة وإبدال الزاي جيما وعكسه والكاف همزة كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى ، وفي فتاوى بعض المتقدمين يصح أنكحك كما هو لغة قوم من اليمن ، وقال الغزالي : لا يضر زوجت لك ، أو إليك لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطإ في الإعراب والتذكير والتأنيث انتهى .
ومراده بالخطإ في الصيغة الصلات ، وهو صريح فيما ذكر وغيره من اغتفار كل ما لا يخل بالمعنى ، وسيعلم مما يأتي صحته مع نفي الصداق فيعتبر للزومه هنا ذكره في كل من شقي العقد مع توافقهما فيه كتزوجتها به وإلا وجب مهر المثل صرح به الماوردي والروياني ( ويصح تقدم لفظ الزوج ) ، أو وكيله سواء قبلت وغيرها ( على ) لفظ ( الولي ) أو وكيله لحصول المقصود أي ما اشتق منهما ، ولا تكرار في هذا مع ما مر لإبهام حصر الصحة في تلك الصيغ فيصح نحو أنا مزوجك إلى آخره وذلك لخبر ( ولا يصح ) النكاح ( إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح ) { مسلم } وكلمته ما ورد في كتابه ، ولم يرد فيه سواهما ، والقياس ممنوع لأن في النكاح ضربا من التعبد فلم يصح بنحو لفظ إباحة وتمليك وهبة وجعله تعالى اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله خصوصية له صلى الله عليه وسلم لقوله { النكاح بلفظ الهبة خالصة لك من دون المؤمنين } صريح واضح في ذلك ، وخبر { البخاري } إما وهم من ملكتكها [ ص: 212 ] بما معك من القرآن كما قاله معمر النيسابوري لأن رواية الجمهور زوجتكها والجماعة أولى بالحفظ من الواحد أو رواية بالمعنى لظن الترادف ، أو جمع صلى الله عليه وسلم بين اللفظين إشارة إلى قوة حق الزوج وأنه كالمالك التي لا يختص بفهمها الفطن ، وكذا بكتابته على ما في المجموع ، وهو محمول على ما إذا لم تكن له إشارة مفهمة وتعذر توكيله لاضطراره حينئذ ، ويلحق بكتابته في ذلك إشارته التي يختص بفهمها الفطن . وينعقد نكاح الأخرس بإشارته